سورة الانشقاق
وهي عشرون وخمس آيات مكية
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٩٨
٩٩
أما انشقاق السماء فقد مر شرحه في مواضع من القرآن، وعن علي عليه السلام أنها تنشق من المجرة، أما قوله :﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ ومعنى أذن له استمع، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :"ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزجاج قول قعنب :
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به
وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
والمعنى أنه لم يوجد في جرم السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها وتفريق أجزائها، فكانت في قبول ذلك التأثير كالعبد الطائع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت له وأذعن، ولم يمتنع فقوله :﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآا ِعِينَ﴾ (فصلت : ١١) يدل على نفاذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً، وقوله ههنا :﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ يدل على نفوذ القدرة في التفريق والإعدام والإفناء من غير ممانعة أصلاً، وأما قوله :﴿وَحُقَّتْ﴾ فهو من قولك هو محقوق بكذا، وحقيق به. يعني وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع وذلك لأنه جسم، وكل جسم فهو ممكن لذاته وكل ممكن لذاته فإن الوجود والعدم بالنسبة إليه على السوية، وكل ما كان كذلك، كان ترجيح وجوده على عدمه أو ترجيح عدمه على وجوده، لا بد وأن يكون بتأثير واجب الوجود وترجيحه فيكون تأثير قدرته في إيجاده، وإعدامه، نافذاً سارياً من غير ممانعة أصلاً، وأما الممكن فليس له إلا القبول والاستعداد، ومثل هذا الشيء حقيق به أن يكون قابلاً للوجود تارة، وللعدم أخرى من واجب الوجود، أما قوله :﴿وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ﴾ ففيه وجهان الأول : أنه مأخوذ من مد الشيء فامتد، وهو أن تزال حبالها بالنسف كما قال :﴿وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا﴾ طه : ١٠٥) يسوي ظهرها، كما قال :﴿فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ (طه : ١٠٥، ١٠٦) وعن ابن عباس مدت مد الأديم /الكاظمي، لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى والثاني : أنه مأخوذ من مده بمعنى أمده أي يزاد في سعتها يوم القيامة لوقوف الخلائق عليها للحساب، واعلم أنه لا بد من الزيادة في وجه الأرض سواء كان ذلك بتمديدها أو بإمدادها، لأن خلق الأولين والآخرين لما كانوا واقفين يوم القيامة على ظهرها، فلا بد من الزيادة في طولها وعرضها، أما قوله :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٩٩
﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾ فالمعنى أنها لما مدت رمت بما في جوفها من الموتى والكنوز، وهو كقوله :﴿وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا﴾ (الزلزلة : ٢) ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ (الإنفطار : ٤) ﴿بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ﴾ (العاديات : ٩) وكقوله :﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفَاتًا * أَحْيَآءً وَأَمْوَاتًا﴾ (المرسلات : ٢٦، ٢٥) وأما قوله :﴿وَتَخَلَّتْ﴾ فالمعنى وخلت غاية الخلو حتى لم يبق في باطنها شيء كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو، كما يقال : تكرم الكريم، وترحم الرحيم. إذا بلغا جهدهما في الكرم الرحمة وتكلفاً فوق ما في طبعهما، واعلم أن التحقيق أن الله تعالى هو الذي أخرج تلك الأشياء من بطن الأرض إلى ظهرها، لكن الأرض وصفت بذلك على سبيل التوسع، وأما قوله :﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ فقد تقدم تفسيره إلا أن الأول في السماء وهذا في الأرض، وإذا اختلف وجه الكلام لم يكن تكراراً.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٩٩
٩٩
اعلم أن قوله تعالى :﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ إلى قوله :﴿الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الانسَانَ﴾ (الإنشقاق : ٦، ١) شرط ولا بد له من جزاء واختلفوا فيه على وجوه أحدها : قال صاحب الكشاف : حذف جواب إذاً ليذهب الوهم إلى كل شيء فيكون أدخل في التهويل وثانيها : قال الفراء : إنما ترك الجواب لأن هذا المعنى معروف قد تردد في القرآن معناه فعرف، ونظيره قوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (القدر : ١) ترك ذكر القرآن لأن التصريح به قد تقدم في سائر المواضع وثالثها : قال بعض المحققين : الجواب هو قوله :﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ وقوله :﴿وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الانسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ (الإنشقاق : ٦) معترض، وهو كقول القائل إذا كان كذا وكذا يا أيها الإنسان ترى عند ذلك ما عملت من خير أو شر، فكذا ههنا. والتقدير إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله ورابعها : أن المعنى محمول على التقديم والتأخير فكأنه قيل :﴿ يَا أَيُّهَا الانسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ ﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ (الإنشقاق : ١( وقامت القيامة وخامسها : قال الكسائي : إن الجواب في قوله :﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَه ﴾ (الإنشقاق : ٧) واعترض في الكلام قوله :﴿وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الانسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ والمعنى إذا السماء انشقت، وكان كذا وكذا﴿فَمَنْ أُوتِىَ كِتَابَه بِيَمِينِه ﴾ (الإسراء : ٧١) فهو كذا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فهو كذا، ونظيره قوله تعالى :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ (البقرة : ٣٨)، وسادسها : قال القاضي : إن الجواب ما دل عليه قوله :﴿إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ كأنه تعالى قال : يا أيها الإنسان ترى ما عملت فاكدح لذلك اليوم أيها الإنسان لتفوز بالنعيم / أما قوله :﴿الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الانسَانَ﴾


الصفحة التالية
Icon