سورة الأعلى
تسع عشر آية مكية
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٣١
١٣٢
اعلم أن قوله تعالى :﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاعْلَى﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله :﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ قولان : أحدهما : أن المراد الأمر بتنزيه اسم الله وتقديسه والثاني : أن الاسم صلة والمراد الأمر بتنزيه الله تعالى. أما على الوجه الأول ففي اللفظ احتمالات أحدها : أن المراد نزه اسم ربك عن أن تسمي به غيره، فيكون ذلك نهياً على أن يدعى غيره باسمه، كما كان المشركون يسمون الصنم باللات، ومسيلمة برحمان اليمامة وثانيها : أن لا يفسر أسماءه بما لا يصح ثبوته في حقه سبحانه نحو أن يفسر الأعلى بالعلو في المكان والاستواء بالاستقرار بل يفسر العلو بالقهر والاقتداء والاستواء بالاستيلاء وثالثها : أن يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم، ويدخل فيه أن يذكر تلك الأسماء عند الغفلة وعدم الوقوف على معانيها وحقائقها ورابعها : أن يكون المراد بسبح باسم ربك، أي مجده بأسمائه التي أنزلتها عليك وعرفتك أنها أسماؤه كقوله :﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ ﴾ (الإسراء : ١١٠) ونظير هذا التأويل قوله تعالى :﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ (الواقعة : ٧٤) ومقصود الكلام من هذا التأويل أمران : أحدهما :﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاعْلَى﴾، أي صل باسم ربك، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية والثاني : أن لا يذكر العبد ربه إلا بأسماء التي ورد التوقيف بها، قال الفراء : لا فرق بين ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ وبين ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ قال الواحدي : وبينهما فرق لأن معنى ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ نزه الله تعالى بذكر اسمه المنبىء عن تنزيهه وعلوه عما يقول المبطلون، و﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ أي نزه الاسم من السوء وخامسها : قال أبو مسلم : المراد من الاسم ههنا الصفة، وكذا في / قوله تعالى :﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ (الأعراف : ١٨٠) أما على الوجه الثاني وهو أن يكون الاسم صلة ويكون المعنى سبح ربك وهو اختيار جمع من المحققين، قالوا : لأن الاسم في الحقيقة لفظة مؤلفة من حروف ولا يجب تنزيهها كما يجب في الله تعالى، ولكن المذكور إذا كان في غاية العظمة لا يذكر هو بل يذكر اسمه فيقال : سبح اسمه، ومجد ذكره، كما يقال : سلام على المجلس العالي، وقال لبيد :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٣٢
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
أي السلام وهذه طريقة مشهورة في اللغة، ونقول على هذا الوجه : تسبيح الله يحتمل وجهين الأول : أن لا يعامل الكفار معاملة يقدمون بسببها على ذكر الله بما لا ينبغي على ما قال :﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾، الثاني : أنه عبارة عن تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به، في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، وفي أسمائه وفي أحكامه، أما في ذاته فأن يعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض، وأما في صفاته، فأن يعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة، وأما في أفعاله فأن يعتقد أنه مالك مطلق، فلا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور، وقالت المعتزلة هو أن يعتقد أن كل ما فعله فهو صواب حسن، وأنه لا يفعل القبيح ولا يرضى به، وأما في أسمائه فأن لا يذكر سبحانه إلا بالأسماء التي ورد التوقيف بها، هذا عندنا وأما عند المعتزلة فهو أن لا يذكر إلا بالأسماء التي لا توهم نقصاً بوجه من الوجوه سواء ورد الإذن بها أو لم يرد/ وأما في أحكامه فهو أن يعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود إليه. بل إما لمحض المالكية على ما هو قولنا، أو لرعاية مصالح العباد على ما (هو) قول المعتزلة.