سورة الفيل
خمس آيات مكية
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٩٢
٢٩٢
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾.
روى أن أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصخمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج من بني كنانة رجل وتغوط فيها ليلاً فأغضبه ذلك.
وقيل : أججت رفقة من العرب ناراً فحملتها الريح فأحرقتها فحلف ليهدمن الكعبة فخرج بالحبشة ومعه فيل اسمه محمود وكان قوياً عظيماً، وثمانية أخرى، وقيل : إثنا عشر، وقيل : ألف، فلما بلغ قريباً من مكة خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى وعبأ جيشه، وقدم الفيل فكانوا كلما وجهوه إلى جهة الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى جهة اليمن أو إلى سائر الجهات هرول، ثم إن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليهم فيها فعظم في عين أبرهة وكان رجلاً جسيماً وسيماً، وقيل : هذا سيد قريش، وصاحب عير مكة فلما ذكر حاجته، قال : سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك فألهاك عنه ذود أخذلك، فقال أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعك عنه، ثم رجع وأتى البيت وأخذ بحلقته وهو يقول :
لا هم إن المرء يمـ
ـنع حله فامنع حلالك وانصر على آل الصليـ
ـب وعابديه اليوم آلك لا يغلبن صليبهم
ومحالهم عدوا محالك إن كنت تاركهم وكعـ
ـبتنا فأمر ما بدالك ويقول :
يا رب لا أرجو لهم سواكا
يا رب فامنع عنهم حماكا فالتفت وهو يدعو، فإذا هو بطير من نحو اليمن، فقال : والله إنها لطير غريبة ما هي بنجدية ولا / تهامية، وكان مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة وعن ابن عباس أنه رأى منها عند أم هانيء نحو قفيز مخططة بحمرة كالجزع الظفارى، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه فهلكوا في كل طريق ومنهل، ودوى أبرهة فتساقطت أنامله، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه، حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر وخر ميتاً بين يديه، وعن عائشة قالت :"رأيت قائد الفيل" وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان، ثم في الآية سؤالات.
الأول : لم قال :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ مع أن هذه الواقعة وقعت قبل المبعث بزمان طويل ؟
الجواب : المراد من الرؤية العلم والتذكير، وهو إشارة إلى أن الخبر به متواتر فكان العلم الحاصل به ضرورياً مساوياً في القوة والجلاء للرؤية، ولهذا السبب قال : لغيره على سبيل الذم :﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ﴾ لا يقال : فلم قال :﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لأنا نقول : الفرق أن مالا يتصور إدراكه لا يستعل فيه إلا العلم لكونه قادراً، وأما الذي يتصور إدراكه كفرار الفيل، فإنه يجوز أن يستعمل فيه الرؤية.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٩٢