فإن لفظة الغضا محتملة الموضع والشجر والسقيا صالحة لكل منهما فلما قال والساكنيه أحد معنى اللفظة وهو الموضع بدلالة القرينة عليه ولما قال شبوه استعمل المعنى الآخر وهو الشجر بدلالة القرينة عليه، وقد أورد الشيخ عز الدين الموصلي في شرح بديعيته نقدا حسنا لبيت البحتري فقد قال :« شرط علماء البديع أن يكون اشتراك لفظة الاستخدام اشتراكا أصليا والنظر هنا في اشتراك لفظة الغضا فإنه ليس بأصلي لأن أحد المعنيين منقول من الآخر والغضا في الحقيقة الشجر وسموا الوادي غضا لكثرة نبته فيه وقالوا جمر الغضا لقوة ناره فكل منقول من أصل واحد.
و من الاستخدام قول أبي العلاء في داليته الشهيرة :
قصد الدهر من أبي حمزة الأ واب مولى حجا وخدن اقتصاد
و فقيها أفكاره شدن للنعمان ما لم يشده شعر زياد فالنعمان يحتمل هنا أبا حنيفة رحمه اللّه ويحتمل النعمان بن المنذر وقد أراد أبو العلاء بلفظ النعمان أبا حنيفة بدليل قوله وفقيها وأراد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ١٣٩
بالضمير المحذوف النعمان بن المنذر ملك الحيرة بدليل زياد وهو النابغة وكان معروفا بمدح النعمان بن المنذر وقد انتقدوه أيضا لأن ضمير يشده لم يعد على واحد منهما لأن شرط الضمير في الاستخدام أن يكون عائدا على اللفظة المشتركة ليستخدم بها معناها الآخر كما قال البحتري في شبوه فهذا الضمير عائد على الغضا وهذا قد جعل الضمير في يشده غير عائد على اللفظة المشتركة التي هي النعمان فصار طيب الذكر الذي شيده زياد لا يعلم لمن هو لأن الضمير لا يعود على النعمان.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٥، ص : ١٤٠
(١٤) سورة ابراهيم
مكيّة وآياتها ثنتان وخمسون
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ