في قوله « إذا جاء نصر اللّه والفتح » استعارة مكنية تبعية شبّه المقدور وهو النصر والفتح بكائن حيّ يمشي متوجها من الأزل إلى وقته المحتوم، فشبّه الحصول بالمجي ء وحذف المشبّه به وأخذ شيئا من خصائصه وهو المجي ء.
هذا وقد أورد الإمام الرازي فصلا ممتعا نورده لك فيما يلي لنفاسته وفائدته، قال :« اتفق الصحابة على أن هذه السورة دلّت على نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وذلك لوجوه :
أولا : أنهم عرفوا ذلك لما خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٦٠٧
عقب السورة وذكر التخيير وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم في خطبته لما نزلت هذه السورة : إن عبدا خيّره اللّه تعالى بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء اللّه تعالى فقال أبو بكر فدنياك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا.
ثانيها : أنه لما ذكر حصور النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا دلّ ذلك على حصول الكمال، والتمام يعقبه الزوال والنقصان كما قيل :
إذا تمّ أمر بدا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم
ثالثها : أنه تعالى أمره بالتسبيح والحمد والاستغفار واشتغاله بذلك يمنعه من اشتغاله بأمر الأمة فكان هذا كالتنبيه على أن أمر التبليغ قد تمّ وكمل وذلك يقتضي إنجاز الأجل إذ لو بقي صلّى اللّه عليه وسلم بعد ذلك لكان كالمعزول من الرسالة وذلك غير جائز ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٦٠٨
(١١١) سورة المسد
مكيّة وآياتها خمس
[سورة المسد (١١١) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
اللغة :
(تَبَّتْ) خسرت قال الزمخشري « و التباب الهلاك ومنه قولهم :