سورة الإسراء
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥٠
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
جاسَ يَجُوسُ جوساً وَجَوَساناً تردد في الغارة قاله الليث. وقال أبو عبيدة : جاسوا فتشوا هل بقي ممن لم يقتل. وقال الفراء : قيلوا. قال حسان :
ومنا الذي لاقى لسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكر.
وقال قطرب : نزلوا قال الشاعر :
فجسنا ديارهم عنوةوأبناء ساداتهم موثقينا
وقيل : داسوا، ومنه :
إليك جسنا الليل بالمطي
وقال أبو زيد : الجوس والحوس والعوس والهوس الطواف بالليل. فالجوس والحوس طلب الشي باستقصاء. حظرت الشيء منعته.
﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِا لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَا الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَه لِنُرِيَه مِنْ ءَايَاتِنَآا إِنَّه هُوَ﴾.
سبب نزول ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقريش الإسراء به وتكذبيهم له، فأنز الله ذلك تصديقاً له، وهذه السورة مكية قال صاحب الغنيان بإجماع وقيل : إلا آيتين ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ ﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ وقيل : إلا أربع هاتان وقوله :﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ وقوله ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾،
وزاد مقاتل قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ﴾ الآية وقال قتادة إلا ثماني آيات أنزلت بالمدينة وهي من قوله :﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ إلى آخرهن. ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه تعالى لما أمره بالصبر ونهاه عن الحزن عليهم وأن يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والسعر وغير ذلك مما رموه به، أعقب تعالى ذلك بذكر شرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده، وتقدّم الكلام على سبحان في البقرة. وزعم الزمخشري أنه علم للتسبيح كعثمان للرجل. وقال ابن عطية : ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين وهو معرفة بالعلمية وإضافته لا تزيده تعريفاً انتهى. ويعنيان والله أعلم أنه إذا لم يضف كقوله :
سبحان من علقمة الفاخر
وأما إذا أضيف فلو فرضنا أنه علم لنوي تنكيره ثم يضاف وصار إذ ذاك تعريفه بالإضافة لا بالعلمية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
بمعنى سرى وليست الهمزة فيه للتعدية وعدّيا بالباء ولا يلزم من تعديته بالباء المشاركة في الفعل، بل المعنى جعله يسرى لأن السرى يدل على الانتقال كمشى وجرى وهو مستحيل على الله تعالى، فهو كقوله :﴿اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ أي لأذهب سمعهم، فأسرى وسرى على هذا كسقى وأسقى إذا كانا بمعنى واحد، ولذلك قال المفسرون معناه سرى بعبده. وقال ابن عطية : ويظهران ﴿أَسْرَى ﴾ معداة بالهمزة إلى مفعول محذوف تقديره أسرى الملائكة بعبده لأنه يقلق أن يسند أسرى وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى إذ هو فعل يعطي النقلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل، فلا يحسن إسناد شيء من هذا ونحن نجد مندوحة فإذا صرحت الشريعة بشيء من هذا النحو كقوله في الحديث :"أتيته سعياً وأتيته هرولة" حمل ذلك بالتأويل على الوجه المخلص من نفي
الحوادث، و﴿أَسْرَى ﴾ في هذه الآية تخرج فصيحة كما ذكرنا ولا يحتاج إلى تجوز قلق في مثل هذه اللفظة فإنه ألزم للنقلة من أتيته وأتى الله بنيانهم انتهى. وإنما احتاج ابن عطية إلى هذه الدعوى اعتقاد أنه إذا كان أسرى بمعنى سرى لزم من كون الباء للتعدية مشاركة الفاعل للمفعول وهذا شيء ذهب إليه المبرد، فإذا قلت : قمت بزيد لزم منه قيامك وقيام زيد عنده وهذا ليس كذلك، التبست عنده باء التعدية بباء الحال، فباء الحال يلزم فيه المشاركة إذ المعنى قمت ملتبساً بزيد وباء التعدية مرادفة للهمزة، فقمت بزيد والباء للتعدية كقولك أقمت زيداً ولا يلزم من إقامتكه أن تقوم أنت.
قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون أسرى بمعنى سرى على حذف مضاف كنحو قوله تعالى :﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ يعني أن يكون التقدير أسرت ملائكته بعبده، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهذا مبني على اعتقاد أنه يلزم المشاركة والباء للتعدية وأيضاً فموارد القرآن في فأسر بقطع الهمزة ووصلها يقتضي أنهما بمعنى واحد، ألا ترى أن قوله :﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى﴾ قرىء بالقطع والوصل، ويبعد مع القطع تقدير مفعول محذوف إذ لم يصرح به في موضع، فيستدل بالمصرح على المحذوف. والظاهر أن هذا الإسراء كان بشخصه ولذلك كذبت قريش به وشنعت عليه، وحين قص ذلك على أم هانىء قالت : لا تحدث الناس بها فيكذبوك ولو كان مناماً استنكر ذلك وهو قول جمهور أهل العلم، وهو الذي ينبغي أن يعتقد. وحديث الإسراء مروي في المسانيد عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، وذكر أنه رواه عشرون من الصحابة. قيل وما روي عن عائشة ومعاوية أنه كان مناماً فلعله لا يصح عنهما، ولو صح لم يكن في ذلك حجة لأنهما لم يشاهدا ذلك لصغر عائشة وكفر معاوية إذ ذاك، ولأنهما لم يسندا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم ولا حدّثا به عنه. وعن الحسن كان في المنام رؤيا رآها وقوله :﴿بِعَبْدِهِ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلّم. وقال أبو القاسم سليمان الأنصاري : لما وصل محمد صلى الله عليه وسلّم إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج أوحى الله إليه : يا محمد أشرفك ؟ قال : يا رب بنسبتي إليك بالعبودية، فأنزل فيه ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ الآية انتهى. وعنه قالوا : عبد الله ورسوله، وعنه إنما أنا عبد وهذه إضافة تشريف واختصاص. وقال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon