سورة الأنبياء
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٢جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
٢٩٣
القصم : كسر الشيء الصلب حتى يبين تلاؤم أجزائه. الركض : ضرب الدابة بالرجل. خمدت النار : طفئت. دمغة : أصاب دماغه، نحو كبده ورأسه أصاب كبده ورأسه. رتق الشيء : سده فارتتق ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج. فتق : فصل ما بين المتصلين. الفج : الطريق المتسع. السبح : العوم، كلأه : حفظه يكلؤه كلاءة. ويقال : اذهب في كلاءة الله واكتلأت منه احترست. وقال ابن هرمة :
إن سليمى والله يكلؤهاضنت بشيء ما كان يرزؤها
النفخة : الخطوة، ونفخ له من عطاياه أجزأه نصيباً. قال الشاعر :
إذا ربدة من حيث ما نفخت لهإياه برياها خليل يواصله
الخردل : حب معروف.
﴿﴾.
هذه السورة مكية بلا خلاف، وعن عبد الله : الكهف، ومريم، وطه، والأنبياء من العتاق الأول، وهن من تلادي أي من قديم ما حفظت وكسبت من القرآن كالمال التلاد. ومناسبة هذه السورة لما قبلها أنه لما ذكر ﴿قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ﴾ قال مشركو قريش : محمد يهددنا بالمعاد والجزاء على الأعمال وليس بصحيح، وإن صح ففيه بعد فأنزل الله تعالى ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾، و﴿اقْتَرَبَ﴾ افتعل بمعنى الفعل المجرد وهو قرب كما تقول : ارتقب ورقب. وقيل : هو أبلغ من قرب للزيادة التي في البناء. والناس مشركو مكة. وقيل : عام في منكري البعث، واقتراب الحساب اقتراب وقته والحساب في اللغة إخراج الكمية من مبلغ العدد، وقد يطلق على المحسوب وجعل ذلك اقتراباً لأن كل ما هو آت وإن طال وقت انتظاره قريب، وإنما البعيد هو الذي انقرض أو هو مقترب عند الله كقوله ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ أو باعتبار ما بقي من الدنيا فإنه أقصر وأقل مما مضى. وفي الحديث :"بعثت أنا والساعة كهاتين". قال الشاعر :
فما زال من يهواه أقرب من غدوما زال من يخشاه أبعد من أمس
و﴿لِّلنَّاسِ﴾ متعلق باقترب. وقال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو من أن تكون صلة لاقترب، أو تأكيداً
٢٩٥
لإضافة الحساب إليهم كما تقول أزف للحي رحيلهم، الأصل أزف رحيل الحي ثم أزف للحي رحيلهم ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثني فيه المستقر توكيداً عليك زيد حريص عليك، وفيك زيد راغب فيك ومنه قولهم : لا أبا لك لأن اللام مؤكدة لمعنى الإضافة، وهذا الوجه أغرب من الأول انتهى يعني بقوله صلة أنها تتعلق باقترب، وأما جعله اللام تأكيداً لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحداً يقول ذلك، وأيضاً فيحتاج إلى ما يتعلق به ولا يمكن تعلقها بحسابهم لأنه مصدر موصول ولا يتقدم معموله عليه، وأيضاً فالتوكيد يكون متأخراً عن المؤكد وأيضاً فلو أخر في هذا التركيب لم يصح. وأما تشبيهه بما أورد سيبويه فالفرق واضح لأن عليك معمول لحريص، وعليك الثانية متأخرة توكيداً وكذلك فيك زيد راغب فيك يتعلق فيك براغب، وفيك الثانية توكيد، وإنما غره في ذلك صحة تركيب حساب الناس. وكذلك أزف رحيل الحي فاعتقد إذا تقدّم الظاهر مجروراً باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب فيك زيد راغب فيك وليس مثله، وأمّا لا أبا لك فهي مسألة مشكلة وفيها خلاف، ويمكن أن يقال فيها ذلك لأن اللام جاورت الإضافة ولا يقاس على مثلها غيرها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة، وقد أمعنّا الكلام عليها في شرح التسهيل والواو في ﴿وَهُمْ﴾ واو الحال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
وأخبر عنهم بخبرين ظاهرهما التنافي لأن الغفلة عن الشيء والإعراض عنه متنافيان، لكن يجمع بينهما باختلاف حالين أخبر عنهم أولاً أنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما يؤول إليه أمرهم. ثم أخبر عنهم ثانياً أنهم إذا نبهوا من سنة الغفلة وذكروا بما يؤول إليه أمر المحسن والمسيء أعرضوا عنه ولم يبالوا بذلك، والذكر هنا ما ينزل من القرآن شيئاً بعد شيء. وقيل المراد بالذكر أقوال النبي صلى الله عليه وسلّم في أمر الشريعة ووعظه وتذكيره ووصفه بالحدوث إذا كان القرآن لنزوله وقتاً بعد وقت. وسئل بعض الصحابة عن هذه الآية فقال محدث النزول محدث المقول. وقال الحسن بن الفضل : المراد بالذكر هنا النبيّ صلى الله عليه وسلّم بدليل ﴿هَلْ هَاذَآ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ وقال :﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولا﴾ وقد احتجت المعتزلة على حدوث القرآن بقوله ﴿مُّحْدَثٍ﴾ وهي مسألة يبحث فيها في علم الكلام. وقرأ الجمهور ﴿مُّحْدَثٍ﴾ بالجر صفة لذكر على اللفظ، وابن أبي عبلة بالرفع صفة لذكر على الموضع، وزيد بن عليّ بالنصب على الحال ﴿مِّن ذِكْرِ﴾ إذ قد وصف بقوله ﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ ويجوز أن يتعلق ﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ بيأتيهم. و﴿اسْتَمَعُوهُ﴾ جملة حالية وذو الحال المفعول في ﴿مَا يَأْتِيهِم﴾ ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ جملة حالية من ضمير ﴿اسْتَمَعُوهُ﴾ و﴿لاهِيَةً﴾ حال من ضمير ﴿يَلْعَبُونَ﴾ أو من ضمير ﴿اسْتَمَعُوهُ﴾ فيكون حالاً بعد حال، واللاهية من قول العرب لهي عنه إذا ذهل وغفل يلهى لهياً ولهياناً، أي وإن فطنوا لا يجدي ذلك لاستيلاء الغفلة والذهول وعدم التبصر بقلوبهم. وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى ﴿لاهِيَةً﴾ بالرفع على أنه خبر بعد خبر لقوله ﴿وَهُمْ﴾.