سورة الفاتحة
اسم الكتاب : تفسير البحر المحيط
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ﴾ باء الجر تأتي لمعان : للإلصاق، والاستعانة، والقسم، والسبب، والحال، والظرفية، والنقل. فالإلصاق : حقيقة مسحت برأسي، ومجازاً مررت بزيد. والاستعانة : ذبحت بالسكين. والسبب :﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا﴾. والقسم : بالله لقد قام. والحال : جاء زيد بثيابه. والظرفية : زيد بالبصرة. والنقل : قمت بزيد. وتأتي زائدة للتوكيد : شربن بماء البحر. والبدل : فليت لي بهم قوماً أي بدلهم. والمقابلة : اشتريت الفرس بألف. والمجاوزة : تشقق السماء بالغمام أي عن الغمام. والاستعلاء : من أن تأمنه بقنطار. وكنى بعضهم عن الحال بالمصاحبة، وزاد فيها كونها للتعليل. وكنى عن الاستعانة بالسبب، وعن الحال، بمعنى مع، بموافقة معنى اللام. ويقال اسم بكسر همزة الوصل وضمها، وسم بكسر السين وضمها، وسمي كهدي، والبصري يقول : مادته سين وميم وواو، والكوفي يقول : واو وسين وميم، والأرجح الأول.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤
والاستدلال في كتب النحو : أل للعهد في شخص أو جنس، وللحضور، وللمح الصفة، وللغلبة، وموصولة. فللعهد في شخص : جاء الغلام، وفي جنس : اسقني الماء، وللحضور : خرجت فإذا الأسد، وللمح : الحارث، وللغلبة : الدبران. وزائدة لازمة، وغير لازمة، فاللازمة : كالآن، وغير اللازمة : باعد أم العمر من أسيرها، وهل هي مركبة من حرفين أم هي حرف واحد ؟ وإذا كانت من حرفين، فهل الهمزة زائدة أم لا ؟ مذاهب. والله أعلم لا يطلق إلا على المعبود بحق مرتحل غير مشتق عند الأكثرين، وقيل مشتق، ومادته قيل : لام وياء وهاء،
١٤
من لاه يليه، ارتفع. قيل : ولذلك سميت الشمس إلاهه، بكسر الهمزة وفتحها، وقيل : لام وواو وهاء من لاه يلوه لوهاً، احتجب أو استتار، ووزنه إذ ذاك فعل أو فعل، وقيل : الألف زائدة ومادته همزة ولام، من أله أي فزع، قاله ابن إسحاق، أو أله تحير، قاله أبو عمر، وأله عبد، قاله النضر، أو أله سكن، قاله المبرد. وعلى هذه الأقاويل فحذفت الهمزة اعتباطاً، كما قيل في ناس أصله أناس، أو حذفت للنقل ولزم مع الإدغام، وكلا القولين شاذ. وقيل : مادته واو ولام وهاء، من وله، أي طرب، وأبدلت الهمزة فيه من الواو نحو أشاح، قاله الخليل والقناد، وهو ضعيف للزوم البدل. وقولهم في الجمع آلهة، وتكون فعالاً بمعنى مفعول، كالكتاب يراد به المكتوب. وأل في الله إذا قلنا أصله الإلاه، قالوا للغلبة، إذ الإله ينطلق على المعبود بحق وباطل، والله لا ينطلق إلا على المعبود بالحق، فصار كالنجم للثريا. وأورد عليه بأنه ليس كالنجم، لأنه بعد الحذف والنقل أو الإدغام لم يطلق على كل إله، ثم غلب على المعبود بحق، ووزنه على أن أصله فعال، فحذفت همزته عال. وإذا قلنا بالأقاويل السابقة، فأل فيه زائدة لازمة، وشذ حذفها في قولهم لاه أبوك شذوذ حذف الألف في أقبل سيل. أقبل جاء من عند الله. وزعم بعضهم أن أل في الله من نفس الكلمة، ووصلت الهمزة لكثرة الاستعمال، وهو اختيار أبي بكر بن العربي والسهيلي، وهو خطأ، لأن وزنه إذ ذاك يكون فعالاً، وامتناع تنوينه لا موجب له، فدل على أن أل حرف داخل على الكلمة سقط لأجلها التنوين. وينفرد هذا الإسم بأحكام ذكرت في علم النحو، ومن غريب ما قيل : إن أصله لاها بالسريانية فعرب، قال :
كحلفة من أبي رياحيسمعها لاهه الكبار
قال أبو يزيد البلخي : هو أعجمي، فإن اليهود والنصارى يقولون لاها، وأخذت العرب هذه اللفظة وغيروها فقالوا الله. ومن غريب ما قيل في الله أنه صفة وليس اسم ذات، لأن اسم الذات يعرف به المسمى، والله تعالى لا يدرك حساً ولا بديهة، ولا تعرف ذاته باسمه، بل إنما يعرف بصفاته، فجعله اسماً للذات لا فائدة في ذلك. وكان العلم قائماً مقام الإشارة، وهي ممتنعة في حق الله تعالى، وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلا يشكل بخط اللاه اسم الفاعل من لها يلهو، وقيل طرحت تخفيفاً، وقيل هي لغة فاستعملت في الخط.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤
﴿الرَّحْمَانِ﴾ : فعلان من الرحمة، وأصل بنائه من اللازم من المبالغة وشذ من المتعدي، وأل فيه للغلبة، كهي في الصعق، فهو وصف لم يستعمل في غير الله، كما لم يستعمل اسمه في غيره، وسمعنا مناقبه، قالوا : رحمن الدنيا والآخرة، ووصف غير الله به من تعنت الملحدين، وإذا قلت الله رحمن، ففي صرفه قولان ليسند أحدهما إلى أصل عام، وهو أن أصل الإسم الصرف، والآخر إلى أصل خاص، وهو أن أصل فعلان المنع لغلبته فيه. ومن غريب ما قيل فيه إنه أعجمي بالخاء المعجمة فعرب بالحاء، قاله ثعلب.
﴿الرَّحِيمِ﴾ : فعيل محوّل من فاعل للمبالغة، وهو أحد الأمثلة الخمسة، وهي : فعال، وفعول، ومفعال، وفعيل، وفعل، وزاد بعضهم فعيلاً فيها : نحو سكير، ولها باب معقود في النحو، وقيل : وجاء رحيم بمعنى مرحوم، قال العملس بن عقيل :
فأما إذا عضت بك الأرض عضةفإنك معطوف عليك رحيم
١٥


الصفحة التالية
Icon