سورة المجادلة
مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٨
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٩
٢٢٩
فسح في المجلس : وسع لغيره. ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ * الَّذِينَ﴾.
٢٣٠
هذه السورة مدنية. قال الكلبي : إلا قوله :﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾. وعن عطاء : العشر الأول منها مدني وباقيها مكي. قرأ الجمهور :﴿قَدْ سَمِعَ﴾ بالبيان ؛ وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن : بالإدغام، قال خلف بن هشام البزار : سمعت الكسائي يقول : من قرأ قد سمع، فبين الدال عند السين، فلسانه أعجمي ليس بعربي، ولا يلتفت إلى هذا القول ؛ فالجمهور على البيان. والتي تجادل خولة بنت ثعلبة، ويقال بالتصغير، أو خولة بنت خويلد، أو خولة بنت حكيم، أو خولة بنت دليج، أو جميلة، أو خولة بنت الصامت، أقوال للسلف. وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة أوس بن الصامت أخو عبادة. وقيل : سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته. قالت زوجته : يا رسول الله، أكل أوس شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني، فقال لها :"ما أراك إلا قد حرمت عليه"، فقالت : يا رسول الله لا تفعل، فإني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها بمثل مقالته فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال ذلك تقول : اللهم إن لي منه صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : سبحان من وسع سمعه الأصوات. كان بعض كلام خولة يخفى عليّ، وسمع الله جدالها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار :"العتق"، فقال : ما أملك، و"الصوم"، فقال : ما أقدر، و"الاطعام"، فقال : لا أجد إلا أن تعينني، فأعانه صلى الله عليه وسلّم بخمسة عشر صاعاً ودعا له، فكفر بالإطعام وأمسك أهله. وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، يكرم خولة إذا دخلت علىه ويقول : قد سمع الله لها. وقال الزمخشري : معنى قد : التوقع، لأنه صلى الله عليه وسلّم والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرح عنها. انتهى.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : يظهرون بشدّهما ؛ والأخوان وابن عامر : يظاهرون مضارع ظاهر ؛ وأبيّ : يتظاهرون، مضارع تظاهر ؛ وعنه : يتظهرون، مضارع تظهر ؛ والمراد به كله الظهار، وهو قول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي، يريد في التحريم، كأنه إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان. والمعنى أنه لا يعلوها كما لا يعلو أمّه، ولذلك تقول العرب في مقابلة ذلك : نزلت عن امرأتي، أي طلقتها. وقوله :﴿مِنكُم﴾، إشارة إلى توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار، لأنه كان من إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٩
وقرأ الجمهور :﴿أُمَّهَاتِهِمْ﴾، بالنصب على لغة الحجاز ؛ والمفضل عن عاصم : بالرفع على لغة تميم ؛ وابن مسعود : بأمهاتهم، بزيادة الباء. قال الزمخشري : في لغة من ينصب. انتهى. يعني أنه لا تزاد الباء في لغة تميم، وهذا ليس بشيء، وقد رد ذلك على الزمخشري. وزيادة الباء في مثل : ما زيد بقائم، كثير في لغة تميم، والزمخشري تبع في ذلك أبا عليّ الفارسي رحمه الله. ولما كان معنى كظهر أمي : كأمي في التحريم، ولا يراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد، جاء النفي بقوله :﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾، ثم أكد ذلك بقوله :﴿أُمَّهَاتِهِم إِنْ﴾ : أي حقيقة، ﴿إِلا الَّا ئِى وَلَدْنَهُمْ﴾ وألحق بهنّ في التحريم أمّهات الرضاع وأمّهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلّم، والزوجات لسن بأمّهات حقيقة ولا ملحقات بهنّ. فقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وزور : كذب باطل منحرف عن الحق، وهو محرم تحريم المكروهات جدّاً، فإذا وقع لزم، وقد رجى تعالى بعده بقوله :﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ مع الكفارة. وقال الزمخشري :﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ لما سلف منه إذ تاب عنه ولم
٢٣٢
يعد إليه. انتهى، وهي نزغة اعتزالية.


الصفحة التالية
Icon