سورة العلق
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٠
السفع، قال المبرد : الجذب بشدة، وسفع بناصية فرسه : جدب، قال عمرو بن معد يكرب :
قوم إذا كثر الصياح رأيتهممن بين ملجم مهره أو سافع
وقال مؤرج : معناه الأخذ بلغة قريش، النادي والندى : المجلس، ومنه قول الأعرابية : سيد ناديه وثمال عافيه، وقال زهير :
وفيهم مقامات حسان وجوههموأندية ينتابها القول والفعل
الزبانية : ملائكة العذاب، فقيل : جمع لا واحد له من لفظه، كعباديد. وقيل : واحدهم زبنية على وزن حدرية وعفرية، قاله أبو عبيدة. وقال الكسائي : زبني، وكأنه نسب إلى الزبن ثم غير للنسب، كقولهم : أنسي وأصله زباني. قال عيسى بن عمرو الأخفش : واحدهم زابن، والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه، ومنه قول الشاعر :
ومستعجب مما يرى من أناتناولو زبنته الحرب لم يترمرم
وقال عتبة بن أبي سفيان : وقد زنبتنا الحرب وزبناها.
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الانسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الانسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلا إِنَّ الانسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلا لَاِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٢
هذه السورة مكية، وصدرها أول ما نزل من القرآن، وذلك في غار حراء على ما ثبت في صحيح البخاري وغيره. وقول جابر : أول ما نزل المدثر. وقول أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل : أول ما نزل الفاتحة لا يصح. وقال الزمخشري، عن ابن عباس ومجاهد : هي أول سورة نزلت، وأكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم، انتهى. ولما ذكر فيما قبلها خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم ذكر ما عرض له بعد ذلك، ذكره هنا منبهاً على شيء من أطواره، وذكر نعمته عليه، ثم ذكر طغيانه بعد ذلك وما يؤل إليه حاله في الآخرة.
وقرأ الجمهور :﴿اقْرَأْ﴾ بهمزة ساكنة ؛ والأعشى، عن أبي بكر، عن عاصم : بحذفها، كأنه على قول من يبدل الهمزة بمناسب حركتها فيقول : قرأ يقرا، كسعى يسعى. فلما أمر منه قيل : اقر بحذف الألف، كما تقول : اسع، والظاهر تعلق الباء باقرأ وتكون للاستعانة، ومفعول اقرأ محذوف، أي اقرأ ما يوحى إليك. وقيل :﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ هو المفعول وهو المأمور بقراءته، كما تقول : اقرأ الحمد لله. وقيل : المعنى اقرأ في أول كل سورة، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم. وقال الأخف٥ : الباء بمعنى على، أي اقرأ على اسم الله، كما قالوا في قوله :﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ﴾، أي على اسم الله. وقيل : المعنى اقرأ القرآن مبتدئاً باسم ربك. وقال الزمخشري : محل باسم ربك النصب على الحال، أي اقرأ مفتتحاً باسم ربك، قل بسم الله ثم اقرأ، انتهى. وهذا قاله قتادة. المعنى : اقرأ ما أنزل عليك من القرآن مفتتحاً باسم ربك. وقال أبو عبيدة : الباء صلة، والمعنى اذكر ربك. وقال أيضاً : الاسم صلة، والمعنى اقرأ بعون ربك وتوفيقه. وجاء باسم ربك، ولم يأت بلفظ الجلالة لما في لفظ الرب من معنى الذي رباك ونظر في مصلحتك. وجاء الخطاب ليدل على الاختصاص والتأنيس، أي ليس لك رب غيره. ثم جاء بصفة الخالق، وهو المنشىء للعالم لما كانت العرب تسمي الأصنام أرباً. أتى بالصفة التي لا يمكن شركة الأصنام فيها، ولم يذكر متعلق الخلق أولاً، فالمعنى أنه قصد إلى استبداده بالخلق، فاقتصر أو حذف، إذ معناه خلق كل شيء.
ثم ذكر خلق الإنسان، وخصه من بين المخلوقات لكونه هو المنزل إليه، وهو أشرف. قال الزمخشري : أشرف ما على الأرض، وفيه دسيسة أن الملك أشرف. وقال : ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان، كما قال :﴿الرَّحْمَانُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الانسَانَ﴾ ؛ فقيل : الذي خلق مبهماً، ثم فسره بقوله : خلق تفخيماً لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته، انتهى. والإنسان هنا اسم جنس، والعلق جمع علقة، فلذلك جاء من علق، وإنما ذكر من خلق من علق لأنهم مقرون به، ولم يذكر أصلهم آدم، لأنه ليس متقرراً عند الكفار فيسبق الفرع، وترك أصل الخلقة تقريباً لأفهامهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٢


الصفحة التالية
Icon