وقرأ الجمهور : يراءون مضارع راأى، على وزن فاعل ؛ وابن أبي إسحاق والأشهب : مهموزة مقصورة مشدّدة الهمزة ؛ وعن ابن أبي إسحاق : بغير شد في الهمزة. فتوجيه الأولى إلى أنه ضعف الهمزة تعدية، كما عدوا بالهمزة فقالوا في رأى : أرى، فقالوا : راأى، فجاء المضارع بأرى كيصلى، وجاء الجمع يروّون كيصلون، وتوجيه الثانية أن استثقل التضعيف في الهمزة فخففها، أو حذف الألف من يراءون حذفاً لا لسبب. ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾، قال ابن المسيب وابن شهاب : الماعون، بلغة قريش : المال. وقال الفرّاء عن بعض العرب : الماعون : الماء. وقال ابن مسعود وابن عباس وابن الحنفية والحسن والضحاك وابن زيد : ما يتعاطاه الناس بينهم، كالفأس والدلو والآنية. وفي الحديث :"سئل صلى الله عليه وسلّم عن الشيء الذي لا يحل منعه فقال : الماء والملح والنار". وفي بعض الطرق : الإبرة والخمير. وقال عليّ وابن عمر وابن عباس أيضاً : الماعون : الزكاة، ومنه قول الراعي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٦
أخليفة الرحمن إنا معشرحنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله من أموالناحق الزكاة منزلاً تنزيلا
قوم على الإسلام لما يمنعواما عونهم ويضيعوا التهليلا
يعني بالماعون : الزكاة، وهذا القول يناسبه ما ذكره قطرب من أن أصله من المعن، وهو الشيء القليل، فسميت الزكاة ماعوناً لأنها قليل من كثير، وكذلك الصدقة غيرها. وقال ابن عباس : هو العارية. وقال محمد بن كعب والكلبي : هو المعروف كله. وقال عبد الله بن عمر : منع الحق. وقيل : الماء والكلأ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٦
سورة الكوثر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٧
٥١٨
انحر : أمر من النحر، وهو ضرب النحر للإبل بما يفيت الروح من محدود. الأبتر : الذي لا عقب له، والبتر : القطع، بترت الشيء : قطعته، وبتر بالكسر فهو أبتر : انقطع ذنبه. وخطب زياد خطبته البتراء، لأنه لم يحمد فيها الله تعالى، ولا صلى على رسوله صلى الله عليه وسلّم، ورجل أباتر، بضم الهمزة : الذي يقطع رحمه، ومنه قول الشاعر :
لئيم بدت في أنفه خنزوانةعلى قطع ذي القربى أجذ أباتر
والبترية : قوم من الزيدية نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر، والله تعالى أعلم.
﴿إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الابْتَرُ﴾.
هذه السورة مكية في المشهور، وقول الجمهور : مدنية في قول الحسن وعكرمة وقتادة. ولما ذكر فيما قبلها وصف المنافق بالبخل وترك الصلاة والرياء ومنع الزكاة، قابل في هذه السورة البخل بـ ﴿إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، والسهو في الصلاة بقوله :﴿فَصَلِّ﴾، والرياء بقوله :﴿لِرَبِّكَ﴾، ومنع الزكاة بقوله :﴿وَانْحَرْ﴾، أراد به التصدّق بلحم الأضاحي، فقابل أربعاً بأربع. ونزلت في العاصي بن وائل، كان يسمي الرسول صلى الله عليه وسلّم بالأبتر، وكان يقول : دعوه إنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه.
وقرأ الجمهور :﴿أَعْطَيْنَاكَ﴾ بالعين ؛ والحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني : أنطيناك بالنون، وهي قراءة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال التبريزي : هي لغة للعرب العاربة من أولي قريش. ومن كلامه صلى الله عليه وسلّم :"اليد العلياء المنطية واليد السفلى المنطاة". ومن كلامه أيضاً، عليه الصلاة والسلام :"وأنطوا النيحة". وقال الأعشى :
جيادك خير جياد الملوكتصان الحلال وتنطى السعيرا
قال أبو الفضل الرازي وأبو زكريا التبرزي : أبدل من العين نوناً ؛ فإن عنيا النون في هذه اللغة مكان العين في غيرها فحسن، وإن عنيا البدل الصناعي فليس كذلك، بل كل واحد من اللغتين أصل بنفسها لوجود تمام التصرّف من كل واحدة، فلا يقول الأصل العين، ثم أبدلت النون منها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٨
وذكر في التحرير : في الكوثر ستة وعشرين قولاً، والصحيح هو ما فسره به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال :"هو نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج". قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وفي صحيح مسلم، واقتطعنا منه، قال :"أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم" انتهى. قال ذلك عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه السورة وقرأها.