وقال ابن عباس : الكوثر : الخير الكثير. وقيل لابن جبير : إن ناساً يقولون : هو نهر في الجنة، فقال : هو من الخير الكثير. وقال الحسن : الكوثر : القرآن. وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن وثاب : كثرة الأصحاب والأتباع. وقال هلال بن يساف : هو التوحيد. وقال جعفر الصادق : نور قلبه دله على الله تعالى وقطعه عما سواه. وقال عكرمة : النبوّة. وقال الحسن بن الفضل : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع. وقال ابن كيسان : الإيثار. وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل، لا أن الكوثر منحصر في واحد منها. والكوثر فوعل من الكثرة، وهو المفرط
٥١٩
الكثرة. قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر. وقال الشاعر :
وأنت كثير يا ابن مروان طيبوكان أبوك ابن العقائل كوثرا
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ : الظاهر أن فصل أمر بالصلاة يدخل فيها المكتوبات والنوافل. والنحر : نحر الهدى والنسك والضحايا، قاله الجمهور ؛ ولم يكن في ذلك الوقت جهاد فأمر بهذين. قال أنس : كان ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمر أن يصلي وينحر، وقاله قتادة. وقال ابن جبير : نزلت وقت صلح الحديبية. قيل له : صل وانحر الهدى، فعلى هذا الآية من المدني. وفي قوله :﴿لِرَبِّكَ﴾، تنذير بالكفار حيث كانت صلاتهم مكاء وتصدية، ونحرهم للأصنام. وعن علي، رضي الله تعالىعنه : صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة. وقيل : ارفع يديك في استفتاح صلاتك عند نحرك. وعن عطية وعكرمة : هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. وقال الضحاك : استو بين السجدتين جالساً حتى يبد ونحرك. وقال أبو الأحوص : استقبل القبلة بنحرك.
﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾ : أي مبغضك، تقدم أنه العاصي بن وائل. وقيل : أبو جهل. وقال ابن عباس : لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد، فأنزل الله تعالى :﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الابْتَرُ﴾. وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط. وقال قتادة : الأبتر هنا يراد به الحقير الذليل. وقرأ الجمهور :﴿شَانِئَكَ﴾ بالألف ؛ وابن عباس : شينك بغير ألف. فقيل : مقصور من شاني، كما قالوا : برر وبر في بارر وبار. ويجوز أن يكون بناء على فعل، وهو مضاف للمفعول إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال ؛ وإن كان بمعنى الماضي فتكون إضافته لا من نصب على مذهب البصريين. وقد قالوا : حذر أموراً ومزقون عرضي، فلا يستوحش من كونه مضافاً للمفعول، وهو مبتدأ، والأحسن الأعرف في المعنى أن يكون فصلاً، أي هو المنفرد بالبتر المخصوص به، لا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فجميع المؤمنين أولاده، وذكره مرفوع على المنائر والمنابر، ومسرود على لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر. يبدأ بذكر الله تعالى ويثني بذكره صلى الله عليه وسلّم، وله في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف صلى الله عليه وسلّم وعلى آله وشرف وكرم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٨
سورة الكافرون
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٩
٥٢٠
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾.
هذه مكية في قول الجمهور. وروي عن قتادة أنها مدنية. وذكروا من أسباب نزولها أنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام : دع ما أنت فيه ونحن نموّلك ونزوجك من شئت من كرائمنا، ونملكك علينا ؛ وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ونحن نعبد إلهك حتى نشترك، فحيث كان الخير نلناه جميعاً. ولما كان أكثر شانئه قريشاً، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة، أنزل الله تعالى هذه السورة تبرياً منهم وإخباراً لا شك فيه أن ذلك لا يكون. وفي قوله :﴿قُلْ﴾ دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله، وخطابه لهم بيا أيها الكافرون في ناديهم، ومكان بسطة أيديهم مع ما في الوصف من الأرذال بهم دليل على أنه محروس من عند الله تعالى لا يبالي بهم. والكافرون ناس مخصوصون، وهم الذين قالوا له تلك المقالة : الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأمية وأبيّ ابنا خلف، وأبو جهل، وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم، ووافى على الكفر تصديقاً للإخبار في قوله :﴿وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾. وللمفسرين في هذه الجمل أقوال :
أحدها : أنها للتوكيد. فقوله :﴿وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ توكيداً لقوله :﴿لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، وقوله :﴿وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ ثانياً تأكيد لقوله :﴿وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ أولاً. والتوكيد في لسان العرب كثير جداً، وحكوا من ذلك نظماً ونثراً ما لا يكاد يحصر. وفائدة هذا التوكيد قطع أطماع الكفار، وتحقيق الأخبار بموافاتهم على الكفر، وأنهم لا يسلمون أبداً.


الصفحة التالية
Icon