القول في تأويل قوله: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وبينهما حجاب)، وبين الجنة والنار حجاب، يقول: حاجز، وهو: السور الذي ذكره الله تعالى فقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، [سورة الحديد: ١٣]. وهو"الأعراف" التي يقول الله فيها: (وعلى الأعراف رجال)، كذلك.
١٤٦٧١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد قال:"الأعراف"، حجاب بين الجنة والنار.
١٤٦٧٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وبينهما حجاب)، وهو"السور"، وهو"الأعراف".
* * *
وأما قوله: (وعلى الأعراف رجال)، فإن"الأعراف" جمع، واحدها"عُرْف"، وكل مرتفع من الأرض عند العرب فهو"عُرْف"، وإنما قيل لعُرف الديك"عرف"، لارتفاعه على ما سواه من جسده، ومنه قول الشماخ بن ضرار:

وَظَلًّتْ بِأَعْرَافٍ تَغَالَى، كَأَنَّهَا رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ (١)
(١) ديوانه: ٥٣، مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٥، ورواية ديوانه وغيره ((وظلت تغالي باليفاع كأنها)). وهذا البيت من آخر القصيدة في صفة حمر الوحش، بعد أن عادت من رحلتها الطويلة العجيبة في طلب الماء، يقودها العير، فوصفه ووصفهن، فقال: وَظلَّتْ تغَالَي بِاليَفَاع................................................
مُحَامٍ على عَوْراتِهَا لا يَرُوعُها خَيَالٌ، وَلا رَامِي الوُحُوشِ المنَاهِزُ
وأصْبَحَ فَوْقَ النَّشْزِ، نَشْزِ حَمَامةٍ، لَهُ مَرْكَضٌ فِي مُسْتَوَى الأَرْضِ بَارِزُ
و ((تغالي الحمر)) احتكاك بعضها ببعض. يصف ضمور حمر الوحش، كأنها رماح مائلة تستقبل مهب الرياح. وكان في المطبوعة: ((تعالى))، وهو خطأ. وفي المخطوطة هكذا: ((وطلت بأعراف تعالى كأنها رماح وجهه راكز))، صوابه ما أثبت.


الصفحة التالية
Icon