القول في تأويل قوله: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٠٥) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) ﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: "حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق".
فقرأه جماعة من قراء المكيين والمدنيين والبصرة والكوفة: (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ)، بإرسال "الياء" من "على"، وترك تشديدها، بمعنى: أنا حقيقٌ بأن لا أقول على الله إلا الحق= فوجهوا معنى "على" إلى معنى "الباء" كما يقال: "رميت بالقوس" و"على القوس"، و"جئت على حال حسنة" و"بحال حسنة". (١).

(١) انظر ما سلف ١١: ٣١٧، تعليق: ١، ومعاني القرآن للفراء ١: ٣٨٦.

* ذكر من قال ذلك:
١٦١٩٣- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم)، قال: كان ناسٌ من أهل مكة تكلموا بالإسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: (غر هؤلاء دينهم).
١٦١٩٤- حدثني إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد، عن داود، عن عامر، مثله. (١)
١٦١٩٥- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم)، قال: فئة من قريش: أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، (٢) وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن منبّه بن الحجاج; خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب، فحبسهم ارتيابهم. فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: (غرّ هؤلاء دينهم)، حتى قدموا على ما قدموا عليه، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم، فشرَّد بهم من خلفهم. (٣)
١٦١٩٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(١) الأثر: ١٦١٩٤ - " إسحاق بن شاهين الواسطي "، شيخ الطبري مضى برقم: ٧٢١١، ٩٧٨٨. وكان في المخطوطة " أبو إسحاق بن شاهين "، وهو خطأ، صوابه ما في المطبوعة. وكنيته " أبو بشر ".
(٢) مكان " أبو قيس بن "، بياض في المخطوطة، وفوق البياض حرف (ط) دلالة على الخطأ، وبعدها " الوليد بن المغيرة "، فكتب ناشر المطبوعة: " قيس بن الوليد بن المغيرة "، وأخطأ، إنما هو " أبو قيس بن الوليد "، وهو الذي شهد بدرًا، وقتله حمزة بن عبد المطلب. فأثبته. والظاهر أن البياض لا يراد به إلا هذا الذي أثبته، لا زيادة عليه.
(٣) في المطبوعة، حذف " فشرد بهم من خلفهم "، وهي ثابتة في المخطوطة.


الصفحة التالية
Icon