بَابُ الْقَوْلِ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْوَسَطُ : الْعَدْلُ، وَهُوَ الَّذِي بَيْن الْمُقَصِّرِ وَالْغَالِي.
وَقِيلَ : هُوَ الْخِيَارُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الْخِيَارُ، قَالَ زُهَيْرٌ : هُمْ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ إذَا طَرَقَتْ إحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ وقَوْله تَعَالَى :﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ مَعْنَاهُ كَيْ تَكُونُوا، وَلَأَنْ تَكُونُوا كَذَلِكَ.
وَقِيلَ فِي الشُّهَدَاءِ : إنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي خَالَفُوا الْحَقَّ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ﴾ وَقِيلَ فِيهِ : إنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَعَلَى أُمَمِهِمْ الْمُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ لِإِعْلَامِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إيَّاهُمْ وَقِيلَ : لِتَكُونُوا حُجَّةً فِيمَا تَشْهَدُونَ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى حُجَّةٍ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِأَجْمَعِهَا مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ عَلَى أُمَمِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فِي نَقْلِ الشَّرِيعَةِ وَفِيمَا حَكَمُوا بِهِ وَاعْتَقَدُوا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَصْفُهُ إيَّاهَا بِالْعَدَالَةِ وَأَنَّهَا خِيَارٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَصْدِيقَهَا وَالْحُكْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهَا وَنَافٍ لِإِجْمَاعِهَا عَلَى الضَّلَالِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قَوْلُهُ :﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ بِمَعْنَى الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ لَمَّا