بَابُ هَلْ فِي الْمَالِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ الْآيَةَ.
قِيلَ : فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ﴾ إنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى حِينَ أَنْكَرَتْ نَسْخَ الْقِبْلَةِ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ إنَّمَا هُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ لَا فِي التَّوَجُّهِ إلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اتِّبَاعُ أَمْرِهِ.
وَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ الْآنَ فِي التَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، إذًا لِمَ كَانَ التَّوَجُّهُ إلَى غَيْرِهَا مَنْسُوخًا.
وقَوْله تَعَالَى ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ قِيلَ إنَّ فِيهِ حَذْفًا، وَمَعْنَاهُ :" إنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ " وَقِيلَ : إنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ، كَقَوْلِ الْخَنْسَاءِ : تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إذَا ادَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ يَعْنِي مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ يَعْنِي أَنَّ الْبَارَّ مَنْ آتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ.
قِيلَ فِيهِ : إنَّهُ يَعْنِي حُبَّ الْمَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وَقِيلَ : إنَّهُ يَعْنِي حُبَّ الْإِيتَاءِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَسَخِّطًا عِنْدَ الْإِعْطَاءِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ جَمِيعَ هَذِهِ الْوُجُوهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ حُبَّ الْمَالَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { : جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ :