بَابُ الْقِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ هَذَا كَلَامٌ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى مَا بَعْدَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ لَكَانَ مَعْنَاهُ مَفْهُومًا مِنْ لَفْظِهِ، وَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي جَمِيعِ الْقَتْلَى ؟ وَالْقِصَاصُ هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْل مَا فَعَلَ بِهِ، مِنْ قَوْلِكَ :" اقْتَصَّ أَثَرَ فُلَانٍ " إذَا فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ أَيْ اتَّبِعِي أَثَرَهُ.
وَقَوْلُهُ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ ﴾ مَعْنَاهُ : فُرِضَ عَلَيْكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾ وَ ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ ﴾ وَقَدْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً.
وَمِنْهُ : الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ، يَعْنِي بِهَا الْمَفْرُوضَاتِ، فَانْتَظَمَتْ الْآيَةُ إيجَابَ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذَا قَتَلُوا لِمَنْ قُتِلُوا مِنْ سَائِرِ الْمَقْتُولِينَ لِعُمُومِ لَفْظِ الْمَقْتُولِينَ.
وَالْخُصُوصُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَاتِلِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ الْقِصَاصُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ إلَّا وَهُمْ قَاتِلُونَ، فَاقْتَضَى وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، لِشُمُولِ لَفْظِ الْقَتْلَى لِلْجَمِيعِ.
وَلَيْسَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ فِي الْقَتْلَى بِمُوجِبٍ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلَى مُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ عُمُومِ اللَّفْظِ مَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةُ الْخُصُوصِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُوجِبُ خُصُوصَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْقَتْلَى دُون بَعْضٍ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْحُكْمِ فِي الْقَتْلَى وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : فِي نَسَقِ الْآيَةِ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وَالْكَافِرُ لَا يَكُونُ