وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ مِنْ الْحَائِضِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ، وَوَرَدَ بِهِ التَّوْقِيفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَتْهُ عَائِشَةُ وَمَيْمُونَةُ :" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ وَهُنَّ حُيَّضٌ فَوْقَ الْإِزَارِ ".
وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ اجْتِنَابَ الْفَرْجِ مِنْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ بَعْدَ أَنْ يَجْتَنِبَ شِعَارَ الدَّمِ ؛ فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ :" أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ " وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَالَا :" يَجْتَنِبُ مَوْضِعَ الدَّمِ " وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالضَّحَّاكِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ :" أَنَّ لَهُ مِنْهَا مَا فَوْقَ الْإِزَارِ " وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ قَدْ انْتَظَمَ الدَّلَالَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى حَظْرِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ : أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي لُزُومَ اجْتِنَابِهَا فِيمَا تَحْتَ الْمِئْزَرِ وَفَوْقَهُ، فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا بِمَا فَوْقَهُ سَلَّمْنَاهُ لِلدَّلَالَةِ، وَحُكْمُ الْحَظْرِ قَائِمٌ فِيمَا دُونَهُ ؛ إذْ لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قَوْلُهُ :" وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ " وَذَلِكَ فِي حُكْمِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، فَلَا يُخَصُّ مِنْهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إلَّا مَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ :{ أَنَّ


الصفحة التالية
Icon