بَابُ بَيَانِ مَعْنَى الْحَيْضِ وَمِقْدَارِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْحَيْضُ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مِنْ الدَّمِ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا : تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَحَظْرُ الْجِمَاعِ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَاجْتِنَابُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِهِ بَالِغَةً.
فَإِذَا تَعَلَّقَ بِوُجُودِ الدَّمِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كَانَ لَهُ مِقْدَارُ مَا سُمِّيَ حَيْضًا، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لَمْ يُسَمَّ حَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَرَى الدَّمَ فِي أَيَّامِهَا وَبَعْدَ أَيَّامِهَا عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ مَا فِي أَيَّامِهَا مِنْهُ حَيْضًا لِتَعَلُّقِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِهِ مَعَ وُجُودِهِ، وَمَا بَعْدَ أَيَّامِهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ لِفَقْدِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مَعَ وُجُودِهِ ؟ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْحَامِلِ : إنَّهَا لَا تَحِيضُ، وَهِيَ قَدْ تَرَى الدَّمَ، وَلَكِنْ ذَلِكَ الدَّمُ لَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يُسَمَّ حَيْضًا، فَالْمُسْتَحَاضَةُ قَدْ تَرَى الدَّمَ السَّائِلَ دَهْرًا، وَلَا يَكُونُ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ كَهَيْئَةِ الدَّمِ الَّذِي يَكُونُ مِثْلُهُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ فِي أَيَّامِهَا فَالْحَيْضُ اسْمٌ لِدَمٍ يُفِيدُ فِي الشَّرْعِ تَعَلُّقَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ مِقْدَارٌ مَا ؛ وَالنِّفَاسُ وَالْحَيْضُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَجِمَاعِ الزَّوْجِ وَاجْتِنَابِ مَا يَجْتَنِبهُ الْحَائِضُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْحَيْضِ لَيْسَ هُوَ مِقْدَارَ مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَالثَّانِي : أَنَّ النِّفَاسَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا فِي الْبُلُوغِ.
وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَحُدُّ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الرَّحِمِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً فِي ابْتِدَائِهِ بِهَا، وَمَا تَعْتَادُهُ النِّسَاءُ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْوَقْتِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً فِي ابْتِدَائِهِ بِهَا إذَا لَمْ


الصفحة التالية
Icon