بَابُ الْمُضَارَّةِ فِي الرَّجْعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ مُقَارَبَةُ الْبُلُوغِ وَالْإِشْرَافُ عَلَيْهِ لَا حَقِيقَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْعِدَّةُ، وَبُلُوغَهُ هُوَ انْقِضَاؤُهَا، وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ الْعِدَّةِ بِالْأَجَلِ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؛ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ وَقَالَ :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ وَقَالَ :﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾ فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْآجَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيِ هِيَ الْعِدَدُ ؛ وَلِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ وَالْمُرَادُ مُقَارَبَتُهُ دُونَ انْقِضَائِهِ ؛ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ وَمَعْنَاهُ : إذَا أَرَدْتُمْ الطَّلَاقَ وَقَارَبْتُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا فَطَلِّقُوا لِلْعِدَّةِ ؛ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ ﴾ مَعْنَاهُ : إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ ؛ وَقَالَ :﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَدْلُ بَعْدَ الْقَوْلِ، وَلَكِنْ قَبْلَهُ، يَعْزِمُ عَلَى أَنْ لَا يَقُولَ إلَّا عَدْلًا.
فَعَلَى هَذَا ذَكَرَ بُلُوغَ الْأَجَلِ وَأَرَادَ بِهِ مُقَارَبَتَهُ دُونَ وُجُودِ نِهَايَتِهِ ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُقَارَبَةَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَحْوَالٍ بَقَاءِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ إلَيْهِ التَّسْرِيحَ وَهُوَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَجَمْعُهُمَا


الصفحة التالية
Icon