بَابُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ الْآيَةَ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْبُلُوغِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَالْعَضْلُ يَعْتَوِرُهُ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : الْمَنْعُ، وَالْآخَرُ الضِّيقُ ؛ يُقَالُ :( عَضَلَ الْفَضَاءُ بِالْجَيْشِ ) إذَا ضَاقَ بِهِمْ، وَالْأَمْرُ الْمُعْضِلُ هُوَ الْمُمْتَنِعُ، وَدَاءٌ عُضَالٌ : مُمْتَنِعٌ.
وَفِي التَّضْيِيقِ يُقَالُ :( عَضَلْت عَلَيْهِمْ الْأَمْرَ ) إذَا ضَيَّقْت، و ( عَضَلَتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدِهَا ) إذَا عَسَرَ وِلَادُهَا، وَأَعْضَلَتْ ؛ وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُمْتَنِعَ يَضِيقُ فِعْلُهُ وَزَوَالُهُ وَالضِّيقُ مُمْتَنِعُ أَيْضًا.
وَرُوِيَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ صَعْبَةٍ فَقَالَ :( زَبَّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ لَا تَنْسَابُ وَلَا تَنْقَادُ، وَلَوْ نَزَلَتْ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ لَأَعْضَلَتْ بِهِمْ ).
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ مَعْنَاهُ : لَا تَمْنَعُوهُنَّ أَوْ لَا تُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ وُجُوهٍ عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ إذَا عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ وَلِيِّ وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا : أَحَدُهَا إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ إذْنِ الْوَلِيِّ.
وَالثَّانِي : نَهْيُهُ عَنْ الْعَضْلِ إذَا تَرَاضَى الزَّوْجَانِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْلَا أَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ مَنْعَهَا عَنْ النِّكَاحِ لَمَا نَهَاهُ عَنْهُ كَمَا لَا يُنْهَى الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَنْهُ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَلِيَّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْمُرَاسَلَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ الْعَضْلِ مُنْصَرِفًا إلَى هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ تَكُونُ فِي يَدِ الْوَلِيِّ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ