بَابُ الْمُكَاسَبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ ﴾.
فِيهِ إبَاحَةُ الْمَكَاسِبِ وَإِخْبَارٌ أَنَّ فِيهَا طَيِّبًا.
وَالْمَكَاسِبُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : إبْدَالُ الْأَمْوَالِ وَإِرْبَاحُهَا، وَالثَّانِي إبْدَالُ الْمَنَافِعِ.
وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إبَاحَتِهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ يَعْنِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : مَنْ يَتَّجِرُ وَيُكْرِي وَيَحُجُّ مَعَ ذَلِكَ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي إبْدَالِ الْمَنَافِعِ :﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ وَقَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ ) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا فَيَحْتَطِبَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ﴾.
وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ ﴾.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أَنَّهُ مِنْ التِّجَارَاتِ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ.
وَعُمُومُ هَذِهِ الْآيَةِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ يَنْتَظِمُهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِيهَا، فَهُوَ عُمُومٌ فِي أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ مُجْمَلٌ فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِيهَا، فَهُوَ