بَابُ إعْطَاءِ الْمُشْرِكِ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ تَعَالَى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْخِطَابِ وَمَا جَاءَ فِي نَسَقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ إنَّمَا مَعْنَاهُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾ فَدَلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ فِي ذَلِكَ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ مِنْ ذَكَرِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ الْمُرَادَ إبَاحَةُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ لَا تَصَدَّقُوا إلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ :﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ }.
وَرَوَى الْحَجَّاجُ عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ :( كَرِهَ النَّاسُ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا نَدْرِي هَذَا مِنْ كَلَامِ مَنْ هُوَ، أَعْنِي قَوْلَهُ ( فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ) وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَاتِ الْمَوَاشِي دُونَ كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا، وَأَيْضًا قَوْلُهُ ( فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ) لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَتَصَدَّقُوا.
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ