بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِطَانَةُ الرَّجُلِ خَاصَّتُهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ أَمْرَهُ وَيَثِقُ بِهِمْ فِي أَمْرِهِ ؛ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا أَهْلَ الْكُفْرِ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يَسْتَعِينُوا بِهِمْ فِي خَوَاصِّ أُمُورِهِمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ ضَمَائِرِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ :﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾ يَعْنِي : لَا يُقَصِّرُونَ فِيمَا يَجِدُونَ السَّبِيلَ إلَيْهِ مِنْ إفْسَادِ أُمُورِكُمْ ؛ لِأَنَّ الْخَبَالَ هُوَ الْفَسَادُ.
ثُمَّ قَالَ :﴿ وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ :" وَدُّوا ضَلَالَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ " وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ :" وَدُّوا أَنْ تَعَنَّتُوا فِي دِينِكُمْ فَتَحْمِلُوا عَلَى الْمَشَقَّةِ فِيهِ " ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ، فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِمَالَاتِ وَالْكَتَبَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَكْتَبَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ يُعَنِّفُهُ، وَتَلَا :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾، أَيْ لَا تَرُدُّوهُمْ إلَى الْعِزِّ بَعْدَ أَنَّ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ فَرْقَدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي دُهْقَانَةَ قَالَ : قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنَّ هَهُنَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ لَمْ نَرَ رَجُلًا أَحْفَظَ مِنْهُ، وَلَا أَخَطَّ مِنْهُ بِقَلَمٍ، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَتَّخِذَهُ كَاتِبًا قَالَ : قَدْ اتَّخَذْتُ إذًا بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَرَوَى هِلَالُ الطَّائِيُّ عَنْ وَسْقٍ الرُّومِيِّ قَالَ : كُنْت مَمْلُوكًا لِعُمَرَ فَكَانَ يَقُولُ لِي أَسْلِمْ فَإِنَّك إنْ أَسْلَمَتْ