بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّسَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ قَالَ : الَّذِي حَصَّلْنَاهُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُبَرِّدِ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ النِّكَاحَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، تَقُولُ الْعَرَبُ :" أَنْكَحْنَا الْفَرَا فَسَنَرَى " هُوَ مَثَلٌ ضَرَبُوهُ لِلْأَمْرِ يَتَشَاوَرُونَ فِيهِ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُنْظَرُ عَنْ مَاذَا يَصْدُرُونَ فِيهِ، مَعْنَاهُ : جَمَعْنَا بَيْنَ الْحِمَارِ وَأَتَانِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إذًا كَانَ اسْمُ النِّكَاحِ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ مَوْضُوعًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، ثُمَّ وَجَدْنَاهُمْ قَدْ سَمَّوْا الْوَطْءَ نَفْسَهُ نِكَاحًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : وَمَنْكُوحَةٌ غَيْرُ مَمْهُورَةٍ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهُ فَادِهَا يَعْنِي الْمَسْبِيَّةَ الْمَوْطُوءَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَلَا عَقْدٍ، وَقَالَ الْآخَرُ : وَمِنْ أَيِّمٍ قَدْ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا وَأُخْرَى عَلَى عَمٍّ وَخَالٍ تَلْهَفُ وَهَذَا يَعْنِي الْمَسْبِيَّةَ أَيْضًا ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ أَيْضًا : فَنَكَحْنَ أَبْكَارًا وَهُنَّ بِأُمَّةٍ أَعْجَلْنَهُنَّ مَظِنَّةَ الْإِعْذَارِ وَهُوَ يَعْنِي الْوَطْءَ أَيْضًا ؛ وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ النِّكَاحِ عَلَى الْوَطْءِ.
وَقَدْ تَنَاوَلَ الِاسْمُ الْعَقْدَ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ دُونَ الْوَطْءِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَنَا مِنْ نِكَاحٍ وَلَسْت مِنْ سِفَاحٍ ؛ ﴾ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ، وَالثَّانِي : دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، لَوْلَا ذَلِكَ لَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : أَنَا مِنْ نِكَاحٍ، إذْ كَانَ السِّفَاحُ لَا يَتَنَاوَلُ اسْمَ النِّكَاحِ بِحَالٍ، فَدَلَّ قَوْلُهُ :" وَلَسْت مِنْ سِفَاحٍ " بَعْدَ


الصفحة التالية
Icon