بَابُ الْحَكَمَيْنِ كَيْفَ يَعْمَلَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ هُمْ، فَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ :" أَنَّهُ السُّلْطَانُ الَّذِي يَتَرَافَعَانِ إلَيْهِ " وَقَالَ السُّدِّيُّ :" الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُ :﴿ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ هُوَ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ لِمَا فِي نَسَقِ الْآيَةِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾، وَقَوْلُهُ :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْحَاكِمِ النَّاظِرِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْمَانِعِ مِنْ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَمْرَ الزَّوْجِ وَأَمَرَهُ بِوَعْظِهَا وَتَخْوِيفِهَا بِاَللَّهِ ثُمَّ بِهِجْرَانِهَا فِي الْمَضْجَعِ إنْ لَمْ تَنْزَجِرْ ثُمَّ بِضَرْبِهَا إنْ أَقَامَتْ عَلَى نُشُوزِهَا، ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ بَعْدَ الضَّرْبِ لِلزَّوْجِ إلَّا الْمُحَاكَمَةَ إلَى مَنْ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْهُمَا مِنْ الظَّالِمِ وَيَتَوَجَّهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا.
وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةٍ قَالَ : سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ الْحَكَمَيْنِ، فَغَضِبَ وَقَالَ :" مَا وُلِدْت ؛ إذْ ذَاكَ " ؛ فَقُلْت : إنَّمَا أَعْنِي حَكَمَيْ شِقَاقٍ، قَالَ :" إذَا كَانَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ دَرْءٌ وَتَدَارُؤٌ بَعَثُوا حَكَمَيْنِ فَأَقْبَلَا عَلَى الَّذِي جَاءَ التَّدَارُؤُ مِنْ قِبَلِهِ فَوَعَظَاهُ، فَإِنْ أَطَاعَهُمَا وَإِلَّا أَقْبَلَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ سَمِعَ مِنْهُمَا وَأَقْبَلَ إلَى الَّذِي يُرِيدَانِ وَإِلَّا حَكَمَا بَيْنَهُمَا، فَمَا حَكَمَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ".
وَرَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْمُخْتَلِعَةِ :" يَعِظُهَا فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ انْتَهَتْ وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ،