بَابُ الْجُنُبِ يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرَيْ سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ السُّكْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ :" السُّكْرُ مِنْ الشَّرَابِ ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ :" نَسَخَهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ".
وَقَالَ الضَّحَّاكُ :" الْمُرَادُ بِهِ سُكْرُ النَّوْمِ خَاصَّةً ".
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى السَّكْرَانُ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الصَّبِيِّ فِي نَقْصِ عَقْلِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ السَّكْرَانَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ نُقْصَانُ عَقْلِهِ إلَى حَدٍّ يَزُولُ التَّكْلِيفُ مَعَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا نُهُوا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلسُّكْرِ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوهَا فِي حَالِ الصَّحْوِ إذَا فَعَلُوهَا فِي حَالِ السُّكْرِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مُرَادَةً بِالْآيَةِ فِي حَالِ نُزُولِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إذَا سَاغَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى السَّكْرَانِ الَّذِي لَمْ يُزَلْ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَيَحْتَمِلُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُتَوَجِّهًا إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَالصَّحِيحُ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى السُّكْرِ أَنَّهُ السُّكْرُ مِنْ الشَّرَابِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّ النَّائِمَ وَمَنْ خَالَطَ عَيْنَهُ النَّوْمُ لَا يُسَمَّى سَكْرَانَ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْ الشَّرَابِ يُسَمَّى سَكْرَانَ حَقِيقَةً، فَوَجَبَ حَمْلُ