بَابُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هَلْ فِيهِ كَفَّارَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ فَنَصَّ عَلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ ؛ وَذَكَرَ قَتْلَ الْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾، وَقَالَ :﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾، وَخَصَّهُ بِالْعَمْدِ ؛ فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ مَذْكُورًا بِعَيْنِهِ وَمَنْصُوصًا عَلَى حُكْمِهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِيهِمَا، ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ قِيَاسُ الْمَنْصُوصَاتِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ؛ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ الْكَفَّارَةُ " ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي إثْبَاتِ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ النَّصِّ، وَغَيْرُ جَائِزٍ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ ؛ وَأَيْضًا فَغَيْرُ جَائِزٍ إثْبَاتُ الْكَفَّارَاتِ قِيَاسًا وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ أَوْ الِاتِّفَاقُ.
وَأَيْضًا لَمَّا نَصَّ اللَّهُ عَلَى حُكْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ أَدْخَلَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ﴾ فَمُوجِبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَامِدِ مُدْخِلٌ فِي أَمْرِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ فَهِيَ فِي الْعَمْدِ أَوْجَبُ ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُسْتَحَقَّةً بِالْمَأْثَمِ فَيُعْتَبَرُ عِظَمُ الْمَأْثَمِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْمُخْطِئَ غَيْرُ آثِمٍ، فَاعْتِبَارُ الْمَأْثَمِ فِيهِ سَاقِطٌ ؛ وَأَيْضًا قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى السَّاهِي، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِدِ وَإِنْ كَانَ الْعَمْدُ أَغْلَظَ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ ضَمْرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْلَةَ عَنْ الْعَرِيفِ بْنِ الدِّيلِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ :{ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ يَعْنِي