بَابٌ فِي شَرْطِ الذَّكَاةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ اسْمٌ شَرْعِيٌّ يَعْتَوِرُهُ مَعَانٍ : مِنْهَا مَوْضِعُ الذَّكَاةِ وَمَا يُقْطَعُ مِنْهُ، وَمِنْهَا الْآلَةُ، وَمِنْهَا الدَّيْنُ، وَمِنْهَا التَّسْمِيَةُ فِي حَالِ الذِّكْرِ وَذَلِكَ فِيمَا كَانَتْ ذَكَاتُهُ بِالذَّبْحِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا السَّمَكُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ بِحُدُوثِ الْمَوْتِ فِيهِ عَنْ سَبَبٍ مِنْ خَارِجٍ، وَمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَغَيْرُ مُذَكًّى ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ فِي الطَّافِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
فَأَمَّا مَوْضِعُ الذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَى ذَبْحِهِ فَهُوَ اللَّبَّةُ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى اللَّحْيَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ :" لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلَ الْحَلْقِ وَأَوْسَطِهِ وَأَعْلَاهُ ".
وَأَمَّا مَا يَجِبُ قَطْعُهُ فَهُوَ الْأَوْدَاجُ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ، وَالْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ، فَإِذَا فَرَى الْمُذَكِّي ذَلِكَ أَجْمَعَ فَقَدْ أَكْمَلَ الذَّكَاةَ عَلَى تَمَامِهَا وَسُنَّتِهَا، فَإِنْ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَفَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةً فَإِنَّ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ :" إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أَكَلَ، وَإِذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْهَا أَكَلَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ " وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ ذَلِكَ :" لَا تَأْكُلْ حَتَّى تَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْعِرْقَيْنِ ".
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ :" يَحْتَاجُ أَنْ يَقْطَعَ الْأَوْدَاجَ وَالْحُلْقُومَ وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يُجْزِهِ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرِيءَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ :" لَا بَأْسَ إذَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" أَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ الذَّكَاةِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ