بَابُ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ بِوُجُودِ الْغَسْلِ سَوَاءٌ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ أَوْ لَمْ تُقَارِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَسْلَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ مَفْهُومُ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْمَوْضِعِ، وَلَيْسَ هُوَ عِبَارَةُ عَنْ النِّيَّةِ.
فَمَنْ شَرَطَ فِيهِ النِّيَّةَ فَهُوَ زَائِدٌ فِي النَّصِّ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُوجِبُ نَسْخَ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ أَبَاحَتْ فِعْلَ الصَّلَاةِ بِوُجُودِ الْغَسْلِ لِلطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ النِّيَّةِ، فَمَنْ حَظَرَ الصَّلَاةَ وَمَنَعَهَا إلَّا مَعَ وُجُودِ نِيَّةِ الْغَسْلِ فَقَدْ أَوْجَبَ نَسْخَهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ النَّصَّ لَهُ حُكْمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقَطَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ شُرِطَتْ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ النِّيَّةُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهَا فِي اللَّفْظِ قِيلَ لَهُ : إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحُكْمِ بِنَفْسِهِ إلَّا بِبَيَانٍ يَرِدُ فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْبَيَانُ بِإِيجَابِ النِّيَّةِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَاهَا ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ اسْمٌ شَرْعِيٌّ ظَاهِرُ الْمَعْنَى بَيِّنُ الْمُرَادِ، فَمَهْمَا أَلْحَقْنَا بِهِ مَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ عِبَارَةً عَنْهُ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى إيجَابِ النِّيَّةِ فِيهَا، فَلَوْ كَانَ اسْمُ الصَّلَاةِ عُمُومًا لَيْسَ بِمُجْمَلٍ لَجَازَ إلْحَاقُ النِّيَّةِ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، فَهِيَ إذَا كَانَتْ مُجْمَلًا أُجْرِيَ بِإِثْبَاتِ النِّيَّةِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ.