قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ :( كُلُّ طَهَارَةٍ بِمَاءٍ تَجُوزُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا يُجْزِي التَّيَمُّمُ إلَّا بِنِيَّةٍ )، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ :( يُجْزِي الْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ) وَلَمْ تُحْفَظْ عَنْهُ فِي التَّيَمُّمِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ :( لَا يُجْزِي الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ ).
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ :( يُجْزِي الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ جَمِيعًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ )، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ : وَلَمْ نَجِدْ هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّيَمُّمِ عَنْ غَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ دَالٌ عَلَى جَوَازِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ وَمَعْنَاهُ : مُطَهِّرًا ؛ فَحَيْثُمَا وُجِدَ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا.
وَلَوْ شَرَطْنَا فِيهِ النِّيَّةَ كُنَّا قَدْ سَلَبْنَاهُ الصِّفَةَ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَوْنِهِ طَهُورًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ طَهُورًا إلَّا بِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ طَهُورًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مَعْنًى آخَرَ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ : إيجَابُ شَرْطِ النِّيَّةِ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ : جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، ﴾ وَقَالَ :﴿ التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ ﴾ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إيجَابَ النِّيَّةِ شَرْطًا فِيهِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا سَمَّاهُ طَهُورًا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْمَاءِ فِي بَابِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُزِيلُ النَّجَسَ