بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَحَمْزَةُ وَابْنُ كَثِيرٍ :( وَأَرْجُلِكُمْ ) بِالْخَفْضِ، وَتَأَوَّلُوهَا عَلَى الْمَسْحِ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالنَّصْبِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ غَسْلَهَا وَاجِبًا.
وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ اسْتِيعَابُ الرِّجْلِ كُلِّهَا بِالْمَسْحِ، وَلَسْت أَحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَجَازَ الْمَسْحَ مِنْ السَّلَفِ هُوَ عَلَى الِاسْتِيعَابِ أَوْ عَلَى الْبَعْضِ ؛ وَقَالَ قَوْمٌ :( يَجُوزُ مَسْحُ الْبَعْضِ ).
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْغَسْلُ.
وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ قَدْ نَزَلَ بِهِمَا الْقُرْآنُ جَمِيعًا وَنَقَلَتْهُمَا الْأُمَّةُ تَلَقِّيًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَسْحِ بِعَطْفِهَا عَلَى الرَّأْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْغَسْلُ بِعَطْفِهَا عَلَى الْمَغْسُولِ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ :( وَأَرْجُلَكُمْ ) بِالنَّصْبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ : فَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الرَّأْسِ فَيُرَادُ بِهَا الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ الْمَمْسُوحَ بِهِ مَفْعُولٌ بِهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : مُعَاوِيَةَ إنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا فَنَصَبَ الْحَدِيدَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجِبَالِ بِالْمَعْنَى.
وَيُحْتَمَلُ قِرَاءَةُ الْخَفْضِ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الرَّأْسِ فَيُرَادُ بِهِ الْمَسْحُ، وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى الْغَسْلِ وَيَكُونُ مَخْفُوضًا بِالْمُجَاوِرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾ ثُمَّ قَالَ :( وَحُورٍ عِينٍ )