وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ :( لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَا عَلَى الْخِمَارِ ).
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ :( يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ ).
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾ وَحَقِيقَتُهُ تَقْتَضِي إمْسَاسَهُ الْمَاءَ وَمُبَاشَرَتَهُ، وَمَاسِحُ الْعِمَامَةِ غَيْرُ مَاسِحٍ بِرَأْسِهِ فَلَا تَجْزِيهِ صَلَاتُهُ إذَا صَلَّى بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآثَارَ مُتَوَاتِرَةٌ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، فَلَوْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ جَائِزًا لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَوَاتِرًا فِي وَزْنِ وُرُودِهِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؛ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ مَسْحُ الْعِمَامَةِ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي مَسْحَ الرَّأْسِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَّا بِخَبَرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ.
وَالثَّانِي : عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي مِثْلِهِ إلَّا الْمُتَوَاتِرُ مِنْ الْأَخْبَارِ.
وَأَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ : هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إلَّا بِهِ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ مَسْحَ الْعِمَامَةِ لَا يُسَمَّى وُضُوءًا، ثُمَّ نَفَى جَوَازَ الصَّلَاةِ إلَّا بِهِ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا الْوُضُوءُ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ هُوَ الْمَفْرُوضُ عَلَيْنَا فَلَا تَجْزِي الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ.
وَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رَوَى بِلَالٌ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ﴿ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ﴾ وَمَا رَوَى رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ :{ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ


الصفحة التالية
Icon