وَمَنْ يُجِيزُ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ :﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ﴾ فَجَعَلَ ذَلِكَ كَفَّارَةً عَقِيبَ عَقْدِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ.
وَالثَّانِي : قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ ﴾.
فَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ﴾ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا مَتَى أَرَادَ إيجَابَهَا، وَقَدْ عَلِمْنَا لَا مَحَالَةَ أَنَّ الْآيَةَ قَدْ تَضَمَّنَتْ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ وَأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ : بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ وَحَنِثْتُمْ فِيهَا فَكَفَّارَتُهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ وَالْمَعْنَى : فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ؛ وَقَوْلُهُ :﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ ﴾ فَمَعْنَاهُ : فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ؛ كَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ﴾ مَعْنَاهُ : فَحَنِثْتُمْ فَكَفَّارَتُهُ ؛ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ لَا مَحَالَةَ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ ضَمِيرُ الْحِنْثِ فِيهِ.
وَأَيْضًا لَمَّا سَمَّاهُ كَفَّارَةً عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ التَّكْفِيرَ بِهَا فِي حَالِ وُجُوبِهَا ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ : إذَا حَنِثْتُمْ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ ﴾ مَعْنَاهُ : إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ ؛ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا.
فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى كَفَّارَةً قَبْلَ وُجُوبِهَا كَمَا يُسَمَّى


الصفحة التالية
Icon