وَيَحْتَجُّ مَنْ يُوجِبُ عَلَى مَنْ عَقَدَ نَذْرَهُ بِشَرْطِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ دُونَ الْمَنْذُورِ، مِثْلُ قَوْلِهِ :" إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ " أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَحَنِثَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ ﴾ قَالَ : فَلَمَّا كَانَ هَذَا حَالِفًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ دُونَ الْمَنْذُورِ بِعَيْنِهِ.
وَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ الْوَفَاءَ بِالْمَنْذُورِ بِعَيْنِهِ وَلَهُ أَصْلٌ غَيْرُ الْيَمِينِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾، فَذَمَّهُمْ تَعَالَى عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ ﴾ وَكَانَ قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ ﴾ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَتْ النُّذُورُ مَحْمُولَةً عَلَى الْأُصُولِ الْأُخَرِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهَا.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ فَقَالَ قَائِلُونَ : مَعْنَاهُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ الْحِنْثِ فِيهَا وَاحْذَرُوا الْحِنْثَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحِنْثُ مَعْصِيَةً.
وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلُّوا مِنْ الْأَيْمَانِ، عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾، وَاسْتَشْهَدَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ : قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ إذَا بَدَرَتْ مِنْهُ