فَصْلٌ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمَجْمُوعِهِمَا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ ضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا :﴿ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَإِذَا كَمُلَ النِّصَابُ بِهَا زُكِّيَ ﴾.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :﴿ يُضَمُّ بِالْقِيمَةِ كَالْعُرُوضِ ﴾.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ :﴿ يُضَمُّ بِالْأَجْزَاءِ ﴾.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ :﴿ لَا يُضَمَّانِ ﴾.
وَرُوِيَ الضَّمُّ عَنْ الْحَسَنِ وَبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَقَتَادَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا مَجْمُوعِينَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا الزَّكَاةَ مَجْمُوعِينَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَلَا يُنْفِقُونَهَا ﴾ قَدْ أَرَادَ بِهِ إنْفَاقَهُمَا جَمِيعًا.
وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمِّ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي وُجُوبِ الْحَقِّ فِيهِمَا، وَهُوَ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا رُبْعَ الْعُشْرِ ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا.
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَعَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ :﴿ إنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ﴾ فَضَمَّ الْعَرْضَ إلَى الْمِائَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي وُجُوبِ رُبْعِ الْعُشْرِ.
وَلَيْسَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ كَالْجِنْسَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّ زَكَاتَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ : زَكَاةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ مِثْلُ زَكَاةِ أَرْبَعِينَ شَاةً، وَلَمْ يَكُنْ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ مُوجِبًا لِضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ.
قِيلَ لَهُ : لَمْ نَقُلْ إنَّ اتِّفَاقَهُمَا فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ يُوجِبُ ضَمَّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ اتِّفَاقَهُمَا فِي وُجُوبِ رُبْعِ الْعُشْرِ


الصفحة التالية
Icon