بَابُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ مِنْ إجْمَاعِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْإِيجَابَ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لِوُرُودِ النَّقْلِ بِفِعْلِهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ السَّلَفِ مُسْتَفِيضًا شَائِعًا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَلَمَّا وَجَدْنَا عَصْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرَ الْأَعْصَارِ بَعْدَهُ قَدْ كَانَ النَّاسُ أَيَامَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلَمْ يُنْكَرْ وَاتُّرِكَ تَزْوِيجُهُمْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الْإِيجَابُ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الْإِيجَابُ أَنَّ الْأَيِّمَ الثَّيِّبَ لَوْ أَبَتْ التَّزْوِيجَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ وَلَا تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا.
وَأَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَزْوِيجِ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَيَامَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِي الْجَمِيعِ ؛ وَلَكِنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ وَاضِحَةٌ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ ؛ إذْ لَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ الْأَوْلِيَاءَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَكُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مَنْدُوبٌ إلَى تَزْوِيجِ الْأَيَامَى الْمُحْتَاجِينَ إلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ فَهُوَ نَافِذٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ عَقْدُهُمْ عَلَيْهِمْ مِثْلُ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ فَهُوَ نَافِذٌ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ وَلَا أَمْرٌ فَعَقْدُهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْعَقْدَ فَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ جَوَازَ النِّكَاحِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ يَمْلِكُهَا.
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ إنَّمَا يَلِيهِ الْأَوْلِيَاءُ دُونَ النِّسَاءِ وَأَنَّ عُقُودَهُنَّ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ غَيْرُ جَائِزَةٍ


الصفحة التالية
Icon