وَمِنْ سُورَةِ الْجُمُعَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ قِيلَ : إنَّمَا سُمُّوا أُمِّيِّينَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ الْكِتَابَةَ، وَأَرَادَ الْأَكْثَرَ الْأَعَمَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الْقَلِيلُ مِمَّنْ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ :﴿ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، وَقَالَ : إنَّا نَحْنُ أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لَا نَحْسُبُ وَلَا نَكْتُبُ ﴾.
وَقَالَ - تَعَالَى - :﴿ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا، وَقَالَ - تَعَالَى - :﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ مَنْ لَا يَكْتُبُ أُمِّيًّا ؛ لِأَنَّهُ نُسِبَ إلَى حَالِ وِلَادَتِهِ مِنْ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالِاسْتِفَادَةِ وَالتَّعَلُّمِ دُونَ الْحَالِ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ.
وَأَمَّا وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي جَعْلِ النُّبُوَّةِ فِي أُمِّيٍّ فَإِنَّهُ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَتْ بِهِ بِالْبِشَارَةِ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ السَّالِفَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ تَوَهُّمِ الِاسْتِعَانَةِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْحِكْمَةِ بِالْكِتَابَةِ ؛ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الدَّلَالَةِ فِي كَوْنِهِ أُمِّيًّا عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَمَعَ أَنَّ مُشَاكِلَةٌ لِحَالِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ وَذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى مُسَاوَاتِهِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِيهِ، فَدَلَّ عَجْزُهُمْ عَمَّا أَتَى بِهِ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لَهُمْ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -.


الصفحة التالية
Icon