الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ وَهِيَ مُعَارَضَةُ الْآيَةِ، وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ ﴿ عُرْوَةَ قُلْت لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :{ إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ الْآيَةُ فَوَاَللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أُخْتِي، إنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَهَا لَكَانَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ﴾ ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا }، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ : إنَّ هَذَا الْعِلْمُ، أَيْ مَا سَمِعْت بِهِ.
تَحْقِيقُ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَفْهِيمُهُ : اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : لَا جُنَاحَ عَلَيْك أَنْ تَفْعَلَ، إبَاحَةٌ لِلْفِعْلِ، وَقَوْلَهُ :( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْك أَلَا تَفْعَلَ ) إبَاحَةٌ لِتَرْكِ الْفِعْلِ ؛ فَلَمَّا سَمِعَ عُرْوَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ :﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ قَالَ : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الطَّوَافِ جَائِزٌ، ثُمَّ رَأَى الشَّرِيعَةَ مُطْبِقَةً عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ، فَطَلَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَيْسَ قَوْله تَعَالَى :{ فَلَا جُنَاحَ


الصفحة التالية
Icon