الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْعُمْرَةُ : وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَارَةِ، وَهِيَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ، خَصَّصَتْهُ الشَّرِيعَةُ بِبَعْضِ مَوَارِدِهِ، وَقَصَرَتْهُ عَلَى مَعْنًى مِنْ مُطْلَقِهِ، عَلَى عَادَتِهَا فِي أَلْفَاظِهَا عَلَى سِيرَةِ الْعَرَبِ فِي لُغَاتِهَا، وَقَدْ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ الْحَجِّ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : وُجُوبُ الْعُمْرَةِ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هِيَ وَاجِبَةٌ، وَيُؤْثَرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : هِيَ تَطَوُّعٌ، وَإِلَيْهِ مَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِلْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا قَرَنَهَا بِالْحَجِّ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ إيجَابَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾.
وَابْتَدَأَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ فَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ﴾.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْعُمْرَةَ أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا لَا بِابْتِدَائِهَا، فَلَوْ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ أَوْ اعْتَمَرَ عَشْرَ عُمَرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فِي جَمِيعِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآيَةُ لِإِلْزَامِ الْإِتْمَامِ لَا لِإِلْزَامِ الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ مَهَّدْنَا الْقَوْلَ فِيهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.