الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ بَدَنَةٌ، مِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَعُرْوَةُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ شَاةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ شَاةٌ أَوْ بَدَنَةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ بَدَنَةٌ فَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ لِلْإِبِلِ، تَقُولُ الْعَرَبُ : كَمْ هَدْيُ فُلَانٍ، أَيْ إبِلُهُ.
وَيُقَالُ فِي وَصْفِ السَّنَةِ : هَلَكَ الْهَدْيُ وَجَفَّ الْوَادِي.
فَيُقَالُ لَهُ : إنْ كُنْت تَجْعَلُ أَيْسَرَ الْهَدْيِ بَدَنَةً وَأَكْثَرَهُ مَا زَادَ مِنْ الْعَدَدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ فَيَلْزَمُك أَلَّا يَجُوزَ هَدْيٌ بِشَاةٍ.
وَقَدْ أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَمَ، وَأَهْدَى أَصْحَابُهُ، وَلَوْ كَانَ أَيْسَرُهُ بَدَنَةً مَا جَازَتْ شَاةٌ.
وَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ الْعَرَبِ فَإِنَّمَا سَمَّتْ الْإِبِلَ هَدْيًا ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَكُونُ مِنْهَا فِي الْأَغْلَبِ أَوْ لِأَنَّهَا أَعْلَاهُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ أَيْسَرَ الْهَدْيِ شِرْكٌ فِي دَمٍ، فَاحْتَجَّ ﴿ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ﴾.
رَوَاهُ جَابِرٌ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ :﴿ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرَةِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ ﴾، وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا مَطْمَعَ فِيهِ.