الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَأْتُوهُنَّ ﴾ : مَعْنَاهُ فَجِيئُوهُنَّ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ الْوَطْءِ، كَمَا كَنَّى عَنْهُ بِالْمُلَامَسَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ :" إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَعْفُو وَيُكَنِّي، كَنَّى بِاللَّمْسِ عَنْ الْجِمَاعِ ".
وَأَمَّا مَوْرِدُهُ فَقَدْ كَانَ يَتَرَكَّبُ عَلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاعْتَزِلُوا ﴾ لَوْلَا قَوْلُهُ :" مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ " فَإِنَّهُ خَصَّصَهُ وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : وَفِيهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : مِنْ حَيْثُ نُهُوا عَنْهُنَّ.
الثَّانِي : الْقُبُلُ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
الثَّالِثُ : مِنْ جَمِيعِ بَدَنِهَا ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا.
الرَّابِعُ : مِنْ قَبْلِ طُهْرِهِنَّ ؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ.
الْخَامِسُ : مِنْ قَبْلِ النِّكَاحِ ؛ قَالَهُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ.
السَّادِسُ : مِنْ حَيْثُ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ الْإِتْيَانَ، لَا صَائِمَاتٍ وَلَا مُحْرِمَاتٍ وَلَا مُعْتَكِفَاتٍ ؛ قَالَهُ الْأَصَمُّ.
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَهُوَ قَوْلٌ مُجْمَلٌ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَكَيْفَمَا كَانَ النَّهْيُ جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ عَلَيْهِ ؛ فَبَقِيَ تَحْقِيقُ مَوْرِدِ النَّهْيِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ : الْقُبُلُ، فَهُوَ مَذْهَبُ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ ؛ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ : وَهُوَ جَمِيعُ بُدْنِهَا فَالشَّاهِدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ﴾ ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ : وَهُوَ قَوْلُهُ : مِنْ قَبْلِ طُهْرِهِنَّ ؛ فَيَعْنِي بِهِ إذَا طَهُرْنَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْفَرْجِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الطَّهَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْفَرْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ شِئْت فَرَكِّبْهُ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا يَتَرَكَّبْ ؛ فَمَا صَحَّ فِيهَا صَحَّ فِيهِ.
وَأَمَّا الْخَامِسُ : وَهُوَ النِّكَاحُ، فَضَعِيفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ النِّسَاءَ ﴾ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْأَزْوَاجَ