الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : تُعَلَّقُ مَنْ رَأَى اخْتِصَاصَ الْخُلْعِ بِحَالَةِ الشِّقَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ فَشُرِطَ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْخُلْعِ ؛ فَخَرَجَ الْقَوْلُ عَلَى الْغَالِبِ وَلَحِقَ النَّادِرُ بِهِ، كَالْعِدَّةِ وُضِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، ثُمَّ لَحِقَ بِهَا الْبَرِيَّةُ الرَّحِمِ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ وَالْيَائِسَةُ، وَاَلَّذِي يَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُوجِبُ الْعِلْمَ قَوْلُهُ :﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ فَإِذَا أَعْطَتْك مَالَهَا بِرِضَاهَا مِنْ صَدَاقٍ وَغَيْرِهِ فَخُذْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ، خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ فَسْخٌ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَسْخًا لَمْ يُعَدَّ طَلْقَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ الْخُلْعَ بَعْدَهُ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّ مَذْكُورٍ فِي مَعْرِضِ هَذِهِ الْآيَاتِ لَا يُعَدُّ طَلَاقًا لِوُقُوعِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ لَمَا كَانَ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ طَلَاقًا، لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِهِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَلَا يَفْهَمُ هَذَا إلَّا غَبِيٌّ أَوْ مُتَغَابٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ كَانَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ دُونَ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ ﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ؛ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْره كَانَ بِفِدْيَةٍ أَوْ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ،


الصفحة التالية
Icon