الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ :﴿ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ وَهِيَ مُعْضِلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا : فَقِيلَ : هُوَ الزَّوْجُ ؛ قَالَهُ عَلِيٌّ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْوَلِيُّ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَرَبِيعَةُ، وَعَلْقَمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَشُرَيْحٌ الْكِنْدِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إنَّهُ الزَّوْجُ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، لُبَابُهَا ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الصَّدَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرًا مُجْمَلًا مِنْ الزَّوْجَيْنِ، فَحُمِلَ عَلَى الْمُفَسَّرِ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ فِي قَبُولِ الصَّدَاقِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِتَرْكِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا :﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا أَتَى الْمَرْأَةَ إنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا.
الثَّانِي : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ يَعْنِي النِّسَاءَ، أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ : يَعْنِي الزَّوْجَ، مَعْنَاهُ يَبْذُلُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، يُقَالُ : عَفَا بِمَعْنَى بَذَلَ، كَمَا يُقَالُ : عَفَا بِمَعْنَى أَسْقَطَ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ وَحِكْمَتُهُ : أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ تَقُولُ هِيَ : لَمْ يَنَلْ مِنِّي شَيْئًا وَلَا أَدْرَكَ مَا بَذَلَ فِيهِ هَذَا الْمَالَ بِإِسْقَاطِهِ، وَقَدْ وَجَبَ إبْقَاءً لِلْمُرُوءَةِ وَاتِّقَاءً فِي الدِّيَانَةِ.


الصفحة التالية
Icon