الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَكْتُبَ الْكَاتِبُ مَا لَمْ يُمْلِ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِمَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ قَالَهُ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ.
الثَّانِي : يَمْتَنِعُ الْكَاتِبُ أَنْ يَكْتُبَ، وَالشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ.
الثَّالِثُ : أَنْ يُدْعَى الْكَاتِبُ وَالشَّهِيدُ وَهُمَا مَشْغُولَانِ مَعْذُورَانِ ؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنْ يُضَارَّ تَفَاعُلٌ مِنْ الضَّرَرِ.
قَوْله تَعَالَى " يُضَارَّ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تُفَاعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِهَا، فَإِنْ كَانَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَالْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ فَاعِلَانِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ نَهْيَهُمَا عَنْ الضَّرَرِ بِمَا يَكْتُبَانِ بِهِ أَوْ بِمَا يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَالْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ مَفْعُولٌ بِهِمَا، فَيَرْجِعُ النَّهْيُ إلَى الْمُتَعَامِلَيْنِ أَلَّا يَضُرَّا بِكَاتِبٍ وَلَا شَهِيدٍ فِي دُعَائِهِ فِي وَقْتِ شُغْلٍ وَلَا بِأَدَائِهِ وَكِتَابَتِهِ مَا سَمِعَ ؛ فَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتَّابِ الشُّهَدَاءِ يَفْسُقُونَ بِتَحْوِيلِ الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ كَتْمِهَا، وَإِمَّا مُتَعَامِلٌ يَطْلُبُ مِنْ الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ أَنْ يَدَعَ شُغْلَهُ لِحَاجَتِهِ أَوْ يُبَدِّلَ لَهُ كِتَابَتَهُ أَوْ شَهَادَتَهُ ؛ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ :﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾