الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ : فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا مَنْ زَادَ عَلَى طَعَامِ مِسْكِينٍ، وَقِيلَ : مَنْ صَامَ ؛ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ :﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ مَعْنَاهُ الصَّوْمُ خَيْرٌ مِنْ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَخَيْرٌ مِنْ الْإِطْعَامِ.
وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ الْفَرْضَ خَيْرٌ مِنْ الْإِطْعَامِ النَّفْلِ، وَالصَّدَقَةَ النَّفَلَ خَيْرٌ مِنْ الصَّوْمِ النَّفْلِ.
فَإِنْ قِيلَ : بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّوْمَ الْفَرْضَ خَيْرٌ مِنْ الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ، وَهُوَ فَرْضٌ ؛ لِأَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ.
قُلْنَا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ مُرْتَبِطٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالتَّأْوِيلَاتِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : وَصَوْمُكُمْ خَيْرٌ مِنْ إطْعَامِكُمْ الْفَرْضَ وَتَطَوُّعِهِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : وَصَوْمُكُمْ خَيْرٌ مِنْ إطْعَامِكُمْ الْبَدَلَ لَهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : وَصَوْمُكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَطَوُّعِكُمْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : وَصَوْمُكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ، فَرُبَّمَا رَغَّبَ فِي تَكْثِيرِ الْإِطْعَامِ، وَتَرْكِ الصِّيَامِ، فَأَعْلَمَ أَنَّ الصَّوْمَ خَيْرٌ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُقَالُ : الْفَرْضُ خَيْرٌ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، وَحُكْمُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي أَصْلِ التَّخْيِيرِ، ثُمَّ يَتَفَاضَلَا فِيهِ ؟ قُلْنَا : الصَّوْمُ خَيْرٌ مِنْ الْفِطْرِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَصَارَ فِيهِ وَصْفٌ مِنْ النَّفْلِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : تَقْدِيمُهُ أَوْ فِعْلُهُ خَيْرٌ مِنْ الْإِطْعَامِ.