الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلَالَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْمًا اخْتَارُوا أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ.
الثَّانِي : مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ إخْوَةٌ.
الثَّالِثُ : قَوْلٌ طَرِيفٌ لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ ؛ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَالَةَ الْمَالُ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الْمَالُ، فَلَا وَجْهَ لَهُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ الَّذِي ذَهَبَ طَرَفَاهُ الْأَسْفَلُ فَمُشْكِلٌ تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ حَتَّى أَلْحَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِهَا ؛ فَقَالَ لَهُ :﴿ أَلَّا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ ﴾ يَعْنِي الْآيَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِرِ النِّسَاءِ.
وَرَوَى مَعْدَانُ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : إنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا هُوَ أَهَمُّ عِنْدِي مِنْ الْكَلَالَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ : أَهَمُّ عِنْدِي مِنْ الْجَدِّ وَالْكَلَالَةِ وَمَا رَاجَعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْته فِي الْكَلَالَةِ، وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهَا حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ :﴿ يَا عُمَرُ ؛ أَمَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ ﴾ يَعْنِي الْآيَةَ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.
قَالَ وَإِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا أَمْرًا وَقَفَ فِي وَجْهِ عُمَرَ فَمَتَى يُسْفَرُ لَنَا عَنْهُ وَجْهُ النَّظَرِ ؟ لَكِنَّ الْآنَ نَرِدُ فِي اقْتِحَامِ هَذَا الْوَعْرِ بِنِيَّةٍ وَعِلْمٍ، فَنَقُولُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ الْمُنْعِمُ : إنَّ الْكَلَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لُغَةً مُتَوَارِدَةً عَلَى مَعَانٍ مُتَمَاثِلَةٍ وَمُتَضَادَّةٍ فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَبَصَّرَ مَوَارِدَهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَنَقُولُ : وَرَدَتْ فِي