الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا : ثَلَاثُ آيَاتٍ مُبْهَمَاتٍ :﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ ﴾، و ﴿ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ﴾، ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ﴾.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مُبْهَمَةٌ، وَإِنَّمَا النَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ، فَلَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَهَا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا مَعًا.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾.
يَعْنِي مِنْ فِعْلِ الْأَعْرَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؛ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَتْ الْحَمِيَّةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ، فَيَكْرَهُ أَنْ يَعْمُرَ فِرَاشَ أَبِيهِ غَيْرُهُ، فَيَعْلُو هُوَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ، فَعَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَفْوِ عَمَّا مَضَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَصَدَقُوا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ عَفْوٍ سَحَبَ ذَيْلَهُ عَمَّا مَضَى مِنْ عَمَلِهِمْ الْقَبِيحِ ؛ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ كَانَ ﴾ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَقْتِ وَالْفُحْشِ، دَلِيلُهُ الْقَاطِعُ :﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾، وَهُوَ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ كَائِنٌ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ فَسَّرَ هَذَا كُلَّهُ الْحَبْرُ وَالْبَحْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَهَمَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالْمُبَرِّدُ فَقَالَا : إنَّ ( كَانَ ) زَائِدَةٌ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي زِيَادَتِهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : فَكَيْفَ إذَا مَرَرْت بِدَارِ قَوْمٍ وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٌ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ بِاللُّغَةِ وَالشَّعْرِ ؛ بَلْ لَا يَجُوزُ زِيَادَةُ كَانَ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى وَجِيرَانٌ كِرَامٌ كَانُوا لَنَا مُجَاوِرِينَ، فَأَبَادَهُمْ الزَّمَانُ