الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : إذَا لَمَسَهَا الْأَبُ أَوْ الِابْنُ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي التَّحْرِيمِ كَالْوَطْءِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ؛ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِاللَّمْسِ مِنْ التَّحْرِيمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ عَلَى قَوْلَيْنِ ؛ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مِثْلُهُ ؛ وَتَفْصِيلُ بَيَانِهِ فِي الْمَسَائِلِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّمْسِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ اسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالْجِمَاعِ أَوْ الْعَقْدِ ؛ وَلَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ لُغَةً وَلَا حَقِيقَةً.
وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الِاجْتِمَاعُ، وَإِذَا قَبَّلَ أَوْ عَانَقَ فَقَدْ وُجِدَ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً، فَوَجَبَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ النِّكَاحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ.
قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ، يَتَصَرَّفُ الْمَعْنَى فِيهِمَا تَحْتَ اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ أَدِلَّتِهِ وَاحْتِمَالَاتِهِ، وَانْتِظَامِ الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ مَعَهُ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : إذَا نَظَرَ إلَيْهَا بِلَذَّةٍ هُوَ وَأَبُوهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا ؛ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ، فَجَرَى مَجْرَى النِّكَاحِ فِي التَّحْرِيمِ ؛ إذْ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ.
وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِالِاسْتِمْتَاعِ ؛ فَإِنَّ النَّظَرَ اجْتِمَاعٌ وَلِقَاءٌ، وَفِيهِ بَيْنَ الْمُحِبِّينَ اسْتِمْتَاعٌ ؛ وَقَدْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ الشُّعَرَاءُ فَقَالُوا : أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو وَإِيَّانَا فَذَاكَ بِنَا تَدَانِي نَعَمْ وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي فَكَيْفَ بِالنَّظَرِ وَالْمُجَالَسَةِ وَاللَّذَّةِ ؟ وَهَذَا بَيِّنٌ.