الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾.
بِهَذَا اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُؤْمِنَةِ، فَكَانَ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ الْإِيمَانُ.
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ.
قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا اسْتِدْلَالًا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالتَّعْلِيلِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْإِيمَانَ فِي نِكَاحِهِنَّ، وَذِكْرُ الصِّفَةِ فِي الْحُكْمِ تَعْلِيلٌ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَكْرِمُوا الْعَالِمَ وَاحْفَظُوا الْغَرِيبَ لَكَانَ تَنْصِيصًا عَلَى الْحُكْمِ وَعَلَى عِلَّتِهِ، وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْغُرْبَةُ فَيَتَعَدَّى الْإِكْرَامُ [ وَالْحِفْظُ ] لِكُلِّ عَالَمٍ وَغَرِيبٍ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى سِوَاهُمَا.
الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ ؛ فَكَانَ هَذَا تَعْلِيلًا يَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ فِي الْمُشْرِكَاتِ.
الثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِيمَانُ شَرْطًا فِي الْإِحْلَالِ وَلَا الْعِفَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْصَانِ هَاهُنَا الْحُرِّيَّةُ.
الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ فَلْيَنْكِحْ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَالْإِحْصَانُ هَاهُنَا فِي الْحُرِّيَّةِ قَطْعًا، فَنَقَلْنَاهُ مِنْ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ إلَى أَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾.
ثُمَّ قَالَ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ يَعْنِي حِلٌّ لَكُمْ، ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ حِلٌّ لَكُمْ أَيْضًا، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْحَرَائِرَ لَا مَعْنَى لَهُ سِوَاهُ، فَأَفَادَتْ الْآيَةُ حِلَّ الْكِتَابِيَّةِ، وَبَقِيَتْ الْأَمَةُ